المشهور على الشّاذ معلّلا بأنّه المجمع عليه ، والمجمع عليه لا ريب فيه.
ثم قال : «وإنّما الأمور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتبع ، وأمر بيّن غيّة فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ علمه الى الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : حلال بيّن ...» الى آخر ما ذكرنا. وهذا يدلّ على وجوب ترك الشّبهات. فإنّ تعليل الامام عليهالسلام تقديم المجمع عليه بأنّه لا ريب فيه ، وبأنّ الشاذّ النّادر من الأمر المشكل الذي لا يجوز القول به ، ويجب ردّه الى الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم يدلّ على وجوب ترك الشّبهة.
قلت : استدلاله عليهالسلام بكلامه في هذا المقام إبداء للحكمة ، ووجه المنع عن اتباع الأمر المشكل ، فإنّ وجه منع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الشّبهة إنّما كان هو الوقوع في الحرام ، فإذا كان الوقوع في الحرام مع الجهالة منشأ للمنع ، فمع معلوميّة الحق المجمع عليه وثبوت الحجّة فهو أولى بالمنع ، فإذا كان ذلك مكروها فيكون هذا حراما ، وإن لم نوجّه المقام بذلك فلا بدّ أن نقول بعدم وجوب العمل بالمرجّحات المذكورة في هذه المقبولة ، وانّ العمل عليها يكون مستحبا وأنتم لا تقولون به.
وإن جعلتم المراد من الشّبهات في قوله عليهالسلام نظير الشّاذّ النّادر فيما نحن فيه ، فنحن أيضا نقول بحرمتها فلا نزاع بيننا ، وإنّما النزاع فيما تكافأ الاحتمالان أو الأمارتان بالنسبة الى الشّرع (١) ، وما استدلّ عليه الصادق عليه الصلاة والسلام ليس كذلك.
وأمّا خامسا : فلأنّ الظّاهر من بعض الرّوايات أنّه لا عقاب على الشّبهات.
منها ما رواه علي بن محمد الخزّاز في «كفاية النصوص» على ما نقل عنه بسنده عن الحسن عليه الصلاة والسلام أنّه قال في جملة حديث : «إنّ في حلالها
__________________
(١) راجع مبحث البراءة في «الفصول» ص ٣٥٦ ، ففيه زيادة بيان.