ـ أي الدنيا ـ حسابا وفي حرامها عقابا وفي الشّبهات عتابا فأنزل الدّنيا بمنزلة الميتة ، خذ منها ما يغنيك ، إن كان حلالا كنت قد زهدت فيها ، وإن كان حراما لم تكن أخذت من الميتة ، وإن كان العتاب فالعتاب سهل يسير» (١).
هذا الكلام فيما لا نصّ فيه ، وأمّا الكلام فيما تعارض فيه النصّان ، فالمختار فيه أيضا أصالة البراءة عن تعيين أحدهما ، والتخيير في العمل بأيّهما أراد ، وسيجيء الكلام فيه في باب التراجيح.
وأمّا الشّبهة في موضوع الحكم فقد عرفت حالها أيضا في الجملة ، ونقول هاهنا : الظّاهر أنّه لا خلاف في أصالة البراءة فيها ، والأخباريّون أيضا وافقوا الأصوليّين في ذلك (٢) ، وحملوا الأدلّة الدالّة على أصل البراءة التي ذكرناها فيما لا نصّ فيه على شبهة الموضوع ، وأخبار التثليث ، وما دلّ على التوقّف على شبهة نفس الحكم ، وجعلوا ما لا نصّ فيه من جملة ذلك وقد عرفت بطلانه.
وكيف كان ، فالظّاهر أنّه لا إشكال في أنّ الأصل في شبهة الموضوع الإباحة ، ولكن يستحب اجتنابها ، ويظهر من الأخباريين دخولها في الحلال البيّن بمقتضى حديث التثليث ، وقد أشرنا الى أنّ ذلك مع القول بوجوب التوقّف فيما لا نصّ فيه ، غريب.
ثمّ إنّ الأدلّة على هذا المطلب في غاية الكثرة ، منها العمومات المتقدّمة فيما لا نصّ فيه ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة ، وغيرها من الأخبار المتقدّمة
__________________
(١) «كفاية الأثر» ص ٢٢٧ ، «مستدرك الوسائل» ١٢ / ٥١ الحديث ١٣٤٨٩.
(٢) راجع الفائدة (٤٩) من «الفوائد الطوسية» ص ١٩٩ ، وأشار إليها الوحيد في رسالة البراءة من «الرسائل الأصولية» ص ٣٩٦.