تجزّي الملكة والاقتدار ، إذ الملكة والاقتدار قابلان للزيادة والنقصان بحسب الاقتصار والاستكمال أو إلى تجزّي المسائل بالنسبة الى الملكة ، بمعنى أن يكون سليقته وطبيعته ملائمة لبرهة من المسائل دون بعض ، فيكون له ملكة هذا البعض دون الآخر. كما أنّ الإنسان قد يكون له سليقة فهم المعقولات دون المنقولات ، وسليقة نظم الشّعر دون الرسائل أو الخطب أو بالعكس ، والغالب الوقوع في الفقه هو المعنى الأوّل إذ الغالب فيه مدخلية الأنس والمزاولة والقصور والكمال ، ولذلك يحصل ذلك غالبا في أوائل بلوغ مرتبة الاجتهاد.
وأمّا تجزّي الاجتهاد ، بمعنى أن يكون قد اجتهد في بعض المسائل بالفعل دون الباقي ، فهو ليس بمعنى التجزّي في شيء ، إذ من المحال عادة أن يوجد عالم اجتهد في جميع المسائل ، بل هو محال عقلا إذ المسائل الفقهيّة غير متناهية ، هي تتجدّد كلّ يوم وساعة.
والحقّ ، أنّ النّزاع في إمكان التجزّي وتحقّقه بالمعنى الذي ذكرنا.
ومنع ذلك مستندا بأنّ القوّة الاستنباطيّة لا تتفاوت (١) في المسائل ، فمن كان له قوّة البعض فله قوّة الجميع يشبه المكابرة ، فنقتصر في المقام على الكلام في النّزاع الواقع في جواز العمل به وعدمه ، والأقوى جوازه.
واحتجّوا على الجواز : بأنّه إذا اطّلع على دليل مسألة بالاستقصاء ، فقد ساوى المجتهد المطلق في تلك المسألة ، وعدم علمه بأدلّة غيرها لا مدخل له فيها ، فكما جاز لذلك الاجتهاد فيها ، فكذا هذا.
واعترض : بأنّ كلّ ما يقدّر جهله به يجوز تعلّقه بالحكم المفروض ، فلا يحصل
__________________
(١) في نسخة الأصل (يتفاوت).