وثانيا نقول : يمكن أن يقال : إنّه يظهر من التأمّل في سير الأئمة عليهمالسلام وأصحابهم وطريقة رواية الأخبار وتجويزهم رجوع النّاس الى أصحابهم ورخصتهم لأصحابهم في الأحكام بمجرّد أنّهم علّموهم طريقة الجمع بين مختلفات الأحاديث واستخراجهم الفروع عن الأصول مع أنّهم ليسوا بمعصومين عن الخطأ والنّسيان والاشتباه ، أنّهم كانوا راضين بعلمهم بظنون [بعملهم بظنونهم] الحاصلة من تلك الطّرائق. ودعوى أنّهم بعد جميع ذلك كانوا قاطعين بالحكم الشّرعيّ ولم يكن عندهم احتمال الخطأ ، مجازفة من القول.
فعلى هذا ، فيمكن حمل العلم والمعرفة في الرّوايتين على ما يشمل الظنّ ، فيتمّ دلالة رواية أبي خديجة على التجزّي في الاجتهاد.
والقول بالفرق بين الظنّ الحاصل لأصحاب الأئمة عليهمالسلام دون الموجودين في زمان الغيبة اعتساف ، سيّما والاضطرار في هذا الزّمان الى العمل بالظنّ أشدّ ، لكون حصول العلم فيه أبعد.
احتجّ المانعون بوجهين :
الأوّل : لزوم الدّور ، وقرّروه على وجوه نذكر بعضها.
فمنها : أنّ صحّة اجتهاد المتجزّي في المسائل موقوفة على صحّة اجتهاده في جواز التّجزّي ، وصحّة اجتهاده في هذه المسألة ـ أعني جواز التجزّي ـ موقوفة على صحّة اجتهاده في المسائل ، إذ هذه أيضا من المسائل المجتهد فيها ، ورجوعه في ذلك الى فتوى المجتهد المطلق وإن كان ممكنا ، لكنّه خلاف المفروض إذ المراد إلحاقه بالمجتهد أوّلا ، وهذا إلحاق به بالمقلّد بالذّات وإن كان إلحاقه بالمجتهد بالعرض.
وفيه : أنّ محلّ النّزاع جواز اجتهاد المتجزّي في المسائل الفرعيّة.