قد يجامع النّظر وقد ينفكّ عن التّقليد في التّفاصيل وخصوصيّات المسائل ، وإن أمكن حصوله بالإجمال ، فيمكن القول بعدم جواز التّقليد مع الاكتفاء بالنظر المفيد للظنّ في بعض الأحيان.
والقول بجواز التّقليد مع عدم حصول الظنّ بالخصوص وبالتّفصيل وإن كان معناه يجوز العمل بالجزم المطابق للواقع الغير الثّابت ، كما هو مصطلح أرباب المعقول ، فيؤول النّزاع فيه الى أنّه هل يجب عليه إقامة الدّليل المقيّد للثبوت على مقتضى جزمه أم لا.
وعلى هذا ، فقول المحقّق البهائيّ رحمهالله (١) في آخر الكلام على جواز التّقليد في الأصول وعدمه ، أنّ هذا النّزاع يرجع الى النّزاع في اشتراط القطع ـ يعني إن قلنا باشتراط القطع ـ فلا يجوز التّقليد ، وإن لم نقل باشتراطه واكتفينا بالظّنّ فيجوز ، لا يخلو عن تأمّل ، إذ لقائل أن يقول بعدم لزوم القطع مطلقا وعدم جواز التّقليد معا ، كما سنشير إليه ، أو أنّه قد يحصل القطع مع التّقليد على الاصطلاح الآخر ، وإذ قد عرفت أنّ العلم والظنّ ليسا من الأمور الاختياريّة ، فمن يقول بوجوب تحصيل القطع أو الظنّ في الأصول ، لا بدّ أن يريد من ذلك وجوب النّظر ، إذ العلم والظنّ في أنفسهما ليسا من الأمور الاختياريّة بالذّات.
والنّظر قد يحصل به اليقين وقد يحصل به الظنّ ، وقد لا يحصل به شيء منهما ، كالمسائل المتردّد فيها المتوقّفة عنها ، فيرجع الكلام في كفاية الظنّ في الفروع دون الأصول الى أنّ المجتهد في الفروع يجب عليه النّظر الى أن يحصل له الظنّ ، وإذا حصل الظنّ ، فلا يجب عليه زيادة النّظر ليحصل العلم ، لا أنّه يجب عليه
__________________
(١) في «الزّبدة» ص ١٦٨.