تحصيل الظنّ بها البتّة ، إذ قد لا يحصل ولا يمكن له حصوله ، كما لا يخفى.
وأمّا المجتهد في الأصول فلا يجوز له الاكتفاء بالظنّ مع إمكان زيادة النّظر المرجوّ له فيه حصول العلم ، فلا يجب عليه الاعتقاد بما يظنّ والعمل على وفقه ، بل يتوقّف مثل من لا يحصل له الظنّ في الفروع بقرينة القرينة المقابلة ، أي الاجتهاد في الفروع ، فحينئذ يرجع القول بوجوب تحصيل العلم في الأصول ووجوب النّظر حتّى يحصل العلم بإطلاقه الى دعوى أنّ مسائل الأصول كلّها ممّا ينتهي النّظر في أدلّتها الى العلم ، فيجب النّظر حتّى يحصل العلم ، فمن لم يحصل له ، فلم يؤدّ النّظر حقّه ، ولم يخل لنفسه عن الشّوائب ، وهو في المسائل الخلافيّة في غاية الصّعوبة.
ودعوى كون كلّ محقّ في نفس الأمر مؤدّيا نظره حقّ النّظر ، وكلّ مبطل مقصّرا ، في غاية الإشكال ، وأمّا مجرّد الموافقة لنفس الأمر والمخالفة بمحض الاتّفاق ، فلا يوجب الفرق كما لا يخفى ، فكما أنّ المقلّدين المتخالفين المأجورين لا يؤاخذ أحدهما بمخالفة نفس الأمر في الفروع وكذا المجتهدان المتخالفان فيها ، فكذا المجتهدان المؤدّيان حقّ النّظر ، المتخالفان في الأصول.
والقول : بأنّ المطلوب إذا كان واحدا في الأصول فيجب على الله نصب الدّليل عليه وإلّا لزم الظّلم واللّغو والعبث فمن لم يصبه فقد قصّر ، إنّما يتمّ إذا ثبت وجوب إصابة الحقّ والواقع في نفس الأمر ، بل المسلّم إنّما هو إصابة الحقّ في نظره مع عدم التّقصير والتفريط.
وما ذهب جمهور العلماء من أنّ المصيب في العقليّات واحد وغيره مخطئ آثم ، كما سيجيء فيما بعد ، فلو سلّمناه ، فإنّما سلّمناه في المجتهدين الكاملين المنتبهين للأدلّة لا مطلق المكلّفين ، كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى.