قال الشهيد رحمهالله في «القواعد» (١) : إنّ الرّياء قسمان : جليّ وخفيّ ، فالجليّ ظاهر ، والخفيّ إنّما يطّلع عليه أولوا المكاشفة والمعاملة لله تعالى ، كما روي عن بعضهم : أنّه طلب الغزو وتاقت نفسه إليه وتفقّدها فإذا هو يحبّ المدح بقولهم : فلان غاز ، فتركه ، فتاقت نفسه إليه ، فأقبل يعرض عن (٢) ذلك الرّياء حتّى أزاله ، ولم يزل يتفقّدها شيئا بعد شيء حتّى وجد الإخلاص مع بقاء الانبعاث فاتّهم نفسه ، وتفقّد أحوالها فإذا هو يحبّ أن يقال : إنّ فلانا مات شهيدا ، لتحسن سمعته في النّاس بعد موته ، الى آخر ما ذكره.
والحاصل ، أنّ التّكليف باستيصال عروق الأخلاق الرّديّة لكلّ النّاس في أوّل التّكليف عسر وحرج عظيم لو لم نقل أنّه تكليف بما لا يطاق ، ولذلك جعل المناص من ذلك طائفة من الصّوفيّة بأخذ طريقة الملامة ، وجعلوا يباشرون الأمور الرّذيلة ، بل الأفعال الشّنيعة والأعمال القبيحة لإسقاط نفوسهم من أعين النّاس حتّى لا يبقى لهم داعية ليتوصّلوا بذلك الى اكتساب المنال.
وأنت خبير بأنّ كلّ ذلك معصية ومخالفة للشرع مذموم ، ومبادرة الى الهلكة برجاء النّجاة ، وهو مذموم بالعقل والشّرع ، فترخيص الشّارع لأكل اللّحم ، بل الأمر به مع كونه مقويّا للقوة البهيمية ، لا ينفكّ عن تقوية تلك العروق ومعالجاته التي ذكرها الشّارع ، وإن كانت دافعة لها ، ولكن لم يجر عادة الله تعالى بذلك في أغلب النّاس.
وبالجملة ، ما يقتضيه دقيق النّظر هنا ، غير ما اقتضته الأنظار الجليّة ، فنستعين
__________________
(١) الشهيد الأوّل في «القواعد والفوائد» ١ / ١٢٠ الفائدة الثامنة والعشرون.
(٢) في المصدر (على).