فأمّا الأوّل : فإن لم ندّع الإجماع على بطلان العمل به في أمثال زماننا ، فلا كرامة في القول به ، فضلا عن إدّعاء الإجماع على جوازه أو وجوب العمل به ، إذ لا ريب أنّ في أمثال زماننا اختلط أمر الدّلالة ووقع الخلاف بين العلماء ، والاختلاف في الأدلّة بين ظواهر الكتاب والسنّة المتواترة وأخبار الآحاد وغيرها ، واشتبه الحال بسبب التّخصيص والنّسخ والمعارض والمخالف ، فلا ريب أنّه لا يجوز العمل قبل الفحص عن الأدلّة بالظنّ الحاصل من واحد منها ولو كان هو ظاهر الكتاب ، ولا أظنّ الخصم يدّعي جواز ذلك.
وكيف يمكن ادّعاؤه حتّى بعنوان العلم ودعوى الإجماع ، حتّى أنّ كثيرا من العلماء لا يجوّزون التجزّي في الاجتهاد ، لأجل احتمال اختفاء معارضات الأدلّة وإن كان احتمالا ضعيفا.
وأمّا الثاني : فهو ليس بظنّ حاصل من الكتاب مثلا ، بل هو ظنّ المجتهد بحكم الله تعالى ، ومراده من مجموع الآية ودفع معارضاتها ومنع القرائن الدالّة على خلافها وإرادة ما هو خلاف الظّاهر منها.
وبالجملة ، إمّا نقول بحجّية ظاهر ظنّ الكتاب في زماننا لا بشرط ملاحظة المعارض ولا عدمه ، أو بشرط عدم ملاحظة المعارض ، أو بشرط ملاحظة المعارض والفحص عنه ونفيه عنه بالدّليل ، حتّى يبقى الظنّ ، والأوّلان باطلان وفاقا من الخصم.
والثالث : ينفع الخصم دعوى الإجماع على حجيّته لو تمكّن من دعوى الإجماع على حجّية الظّنون التي بها يدفع المعارض حتّى يقول : إنّ العمل على الظّنون الحاصلة من أجل الكتاب بعد إعمال هذه الظّنون إجماعيّ ، وأنّى له بذلك. وكيف يتمكّن منه إلّا ان يقول بالإجماع على حجّية ظنّ المجتهد من أيّ شيء