التّكليف وسدّ باب العلم لو لم نعمل به ، فهكذا في هذه المسألة ، فإنّ التّكليف بوجوب معرفة الله تعالى في الجملة ثابت ، والإشكال في كيفيّته ، فإذا لم يمكن تحصيل العلم بحقيقة التّكليف في الكيفيّة ، فيكفي بالظنّ ، بل يمكن أن يقال : إنّ المسألة أيضا فرعيّة ، ولا منافاة بينه وبين تعلّقها بالأصول ، فكأنّ الشّارع أوجب علينا إقامة الدّليل على ما أذعنّا به من العقائد ، ولكن هذا إنّما يثبت وجوبه بوجوب على حدة ، لا أنّه شرط تحقّق الإيمان بالمعنى المتنازع ، وهو خلاف مقتضى كلام الأكثرين ، فإنّهم يجعلونه شرط تحقّق الإيمان بالمعنى المتنازع ، وإن اكتفوا في الإيمان بمعنى الإسلام ليترتّب الثّمرات الدّنيويّة على مجرّد الإقرار باللّسان.
فإن قلت : التّكليف ثابت في الجملة ، والبراءة اليقينيّة لا تتحقّق إلّا بالنّظر والقطع.
قلت : مع أنّ هذا خروج عن الاستدلال بالآيات ، مدفوع بأنّ القدر المسلّم هو أنّا نقطع بالمؤاخذة على ترك كلا الأمرين : العلم ، والظنّ ، لا أنّا مكلّفون بأحد الأمرين المبهم الذي لا يحصل البراءة منه إلّا بتحصيل اليقين ، فلمن يدّعي كفاية الظنّ أن يقول : الأصل براءة الذّمّة ، ولا دليل على وجوب تحصيل العلم.
والحاصل ، أنّ التّمسّك بالأدلّة الشّرعيّة الظّنيّة لا يتمّ إلّا بجعل المسألة فرعيّة وإن تعلّقت بالأصول ، وحصر الغرض من تحقيقها في بيان الحقّ وتنبيه المكلّفين الغافلين وإراءة طريقهم ، كما سنشير إليه.
وثانيا : القرينة قائمة على أنّها مستعملة في مقابلة الظّنّ ، كما نطق به أكثر الآيات ، فالمراد ترك العمل بما لا يفيد الظّنّ ، بل لا يبقى مع معارضتهم بالأدلّة القاطعة إلّا الاحتمال.