وثالثا : منع كون المراد بالعلم هو اليقين المصطلح لمنع كونه حقيقة فيه ، بل هو حقيقة في الجزم أو الجزم المطابق وإن أمكن زواله بالتّشكيك وهم لا يرضون به ، ويشهد به قوله تعالى في سورة يوسف عليهالسلام حكاية عن يوسف وإخوته : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا)(١) ، فتأمّل قبله وبعده حتّى يظهر لك الحال.
ورابعا : أنّ التّكليف إنّما يرد على مقتضى الفهم والإدراك ، فهم وإن كانوا مكلّفين بالجزم بما هو ثابت في نفس الأمر ، لكنّ المسلّم منه هو ما يفهمون أنّه هو الذي مطابق لنفس الأمر ، لا ما هو مطابق له في نفس الأمر ، وإن لم يمكن تحصيله ، فالذي يعمل بجزمه معتقدا لأنّه مطابق للواقع ، عامل بالعلم على زعمه ، وليس تكليفه أزيد من ذلك.
وخامسا : أنّ التّكليف بالجزم الكذائيّ إنّما هو بعد الإمكان ، فقد لا يمكن في كثير من المسائل تحصيل الجزم كما هو غير خاف عن المنصف المتأمّل ، فلا وجه لإطلاق وجوب تحصيل العلم.
وسادسا : أنّ المتأمّل في تلك الآيات لا يظهر له أزيد من النّهي عن العمل بما لا يفيد في نفسه إلّا الظّنّ وإن لم يبق الظّنّ معه في خصوص المقام ، لا ما يفيد الظّنّ مطلقا.
فإنّ كون عبادة الأصنام مذهبا لآبائهم بعد إقامة البراهين السّاطعة عليهم ، لا يبقى معه الظّنّ بحقيّتها في نفس الأمر ، كما يشهد به حكاية إبراهيم عليهالسلام مع قومه حيث قال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ
__________________
(١) يوسف : ٨١.