أخبار الآحاد ، كما نقلنا عنه في مباحث الأخبار ، ولا ريب أنّ أخبار الآحاد لا يفيد إلّا الظنّ ، فكيف يدّعي إجماع العلماء على وجوب تحصيل العلم. اللهم إلّا أن يقال : مرادهم من وجوب المعرفة ووجوب تحصيل العلم عدم الاكتفاء بالتّقليد بالمعنى الذي ذكرنا ، أعني التّقليد في الفروع على ما هو المصطلح ، وهو إنّما يحصل للمتفطّن العالم بالفرق بين المجتهد والمقلّد لا ما يشمل الاعتقاد على شخص بحيث تطمئنّ النّفس إليه بسبب حسن ظنّه به ، وعدم اختلاج تشكيك في خاطره في قوله كما هو الحال في أكثر العوامّ في الفروع والأصول.
فحينئذ فالمدّعى لوجوب النّظر ليحصل العلم ، فإن حصل فهو ، وإلّا فيكتفى بالظنّ ، بل لا يبعد الاكتفاء بالظنّ مع إمكان تحصيل القطع أيضا فيما يحصل الاطمئنان بالعمل على مقتضى الظنّ كما أشرنا سابقا في مثل الظانّ بأحد الطرفين الذي لا خوف إلّا بترك مقتضى ذلك الطّرف.
فكيف كان ، فهذا من مدّعيه أيضا لا بدّ أن يخصّص بغير الغافل [غافل] المطمئنّ على مقتضى ما أخذه ، وبغير من لا يتمكّن من تحصيل القطع إمّا لمانع له من النّظر ، أو لعدم بلوغ نظره إلى حدّ العلم بعد الاستفراغ والتّخلية ، فما يوهم كلام العلّامة في «الباب الحادي عشر» من العموم المستفاد من قوله رحمهالله ، ممّا لا يمكن جهله على أحد من المسلمين ، وثبوت العذاب الدّائم على الجاهل مخصّص بما حقّقوه في محلّه من عدم تكليف ما لا يطاق ، ونحو ذلك ، وإلّا فغاية الأمر الحكم بعدم الإسلام.
وأمّا العذاب الدّائم فلا دليل عليه ، بل ومطلق العذاب أيضا ، مع أنّه لا ريب أنّه لا يخرج من المسلمين بذلك إن أراد أنّ معرفتها بدون الاستدلال يوجب ذلك ، بل يعامل معهم معاملة المسلمين وإن لم يذعنوا بها في الباطن أيضا.