ومن هذا القبيل الغفلة التي حصلت لبعضهم (١) واشتبه عليه الأمر ولم يفرّق بين المجاز والعامّ ، وناقض في القول بوجوب الفحص عن المخصّص بعدم وجوب الفحص في الحقيقة عن المجاز ، وهو غلط ، لأنّ الفحص عن المخصّص يرجع الى الفحص عن المعارض ، بخلاف المجاز ، فإنّه فحص عن القرينة وقد يحصل الاعتباران في العامّ والمجاز بكلا المعنيين ، فعليك بالتأمّل والتفرقة ، وقد حقّقنا ذلك في مباحث العامّ والخاصّ ، فراجعه.
فالحكم بحرمة العمل بالظنّ الذي لم يثبت حجّيته بالخصوص من دليل قطعيّ ، مثل الشّهرة والغلبة ونحوهما من جهة قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٢) ونحوه ، إنّما هو من جهة ظنّ حاصل للمجتهد بعد التأمّل في الآية وفي القواعد الأصوليّة ، ودفع الأدلّة التي أقاموها على عدم حجّية العامّ المخصّص للإجماع على أنّ الآية مخصّصة بظنون كثيرة ، وملاحظة عدم المعارض والظنّ به ، أو القطع من جهة لزوم الفحص عن المخصّص ، وذلك ظنّ حصل للمجتهد من مجموع ذلك ، لا ظنّ حاصل من الآية.
وبعد ملاحظة ذلك ، فإنّ سلّمنا ذلك الإجماع على العمل بالظنّ الحاصل من الكتاب على هذا الوجه ، فلا نسلّمه في خصوص العامّ المخصّص ، لأنّه موضع خلاف ، والنّزاع فيه معروف وليس بمخصوص بعمومات أخبار الآحاد ، بل هو جار في المتون القطعيّة ، كالكتاب والسنّة المتواترة أيضا ، ولم يثبت الإجماع على حجّية عموم آيات التّحريم في أمثال زماننا ، بل مطلقا بعد القطع بتخصيصها ببعض
__________________
(١) وهو المدقّق الشّيرواني.
(٢) الإسراء : ٣٦.