الله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)(١) ، فلم يجعل الله من عباده إلّا الكافر والمؤمن ، فقال سفيان : عليكم بدين العجائز (٢).
أقول : والمناسب للمقام هو الحكاية الأولى.
سلّمنا أنّها رواية ، لكنّها خبر واحد معارض بالقواطع.
سلّمنا أنّه خبر قطعيّ ، لكنّها لا تدلّ على مطلوبكم ، لمنع عدم قدرة العجائز على الاستدلال ، سيّما مع ما سنبيّن من كفاية الدّليل الاجماليّ ، وعدم الاحتياج الى معرفة طريقة أهل الميزان ، مع أنّ ما ظهر من العجوزة نوع من الاستدلال كما لا يخفى.
ثمّ إنّ المراد بالعجائز هنا جنس الجمع لا العموم ، نظير قول عمر : «كلّ النّاس أفقه من عمر حتّى المخدّرات في الحجال» (٣) ، فعدم اقتدار أكثرهنّ أو بعضهنّ على الاستدلال لا ينافي اقتدار بعضهنّ.
بقي الكلام في معنى كلمة (عليكم) حينئذ ، إذ الرّجوع الى الاستدلال وترك التّقليد لا يناسب الأمر بالرّجوع الى العجائز ، كما لا يخفى حتّى يقال : أنّ المراد الأخذ بالاستدلال لا التّقليد ، قلبا على المستدلّ به.
والذي يخالجني في وجهه وجهان :
الأوّل : أنّ عليكم بتحصيل اليقين كما حصّلته العجوز ، فإنّها جعلت وجود الصّانع ، وكونه مدبّر الأفلاك ومحرّكها كالمحسوس من وقوف دولابها من الحركة بمجرّد تخليتها عن يدها.
__________________
(١) التّغابن : ٢.
(٢) وكذا ذكره في البحار ٦٦ / ١٣٦ ، ولكن برواية عمر بن عبد الله المعتزلي.
(٣) «المبسوط» للسرخسي ١٠ / ١٥٣.