والثّاني : أنّ الأليق والأنسب في الاستدلال والإسلام لكافّة النّاس ، والأسهل لعامّتهم ، وهو طريقة الإنّ وهو الاستدلال بالآثار على المؤثّر ، وبالخلق على الخالق ، لا النّظر في نفس الوجود والموجود المحتاج الى التمسّك ببطلان الدّور والتّسلسل لعدم بلوغ فهم العامّة إليه ، ولا التّمسّك بملاحظة نفس الوجود وادّعاء تأصّله على طريقة وحدة الوجود التي يسمّونها المتصدّون لها استدلالا من الحقّ الى الحقّ ، لأنّ محقّقي المتصدّين لذلك مقرّون بأنّه لا يتمّ إلّا بالكشف والشّهود الذي لا يحصل إلّا بالرّياضة والمجاهدة ، وليس إدراكه في وسع العقل والنّظر.
والمتصدّون لإتمامه بالاستدلال كما صدر عن بعض متأخّريهم ، لو فرض تسليم مقدّماته ، فإنّما هو ممّا لا يصل إليه يد أكثر العلماء ، فضلا عن العوامّ ، ولا ريب أنّه مزلّة ومزلقة للخواصّ فضلا عن العوامّ ، فكيف يكلّف بذلك عامّة النّاس ، فلذلك خاطب المكلّفين بقوله : «عليكم بدين العجائز».
والظّاهر أنّ هذه الطّريقة أجنبيّة بالنّسبة الى طريقة الشّرع ، ولم يدلّ عليها آية ولا خبر.
وما يقال إنّ قوله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ) (أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(١) إشارة الى الطّريقتين ، فأوّلها إشارة الى الاستدلال من الآثار الى المؤثّر كما هو طريقة المحجوبين عن الشّهود ، وآخرها يعني قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ) الخ إشارة الى الطّريقة الأخيرة ، يعني وحدة الوجود ، فهو من التّأويلات التي دعا إليها رسوخ ما فهموه بأفهامهم في خواطرهم ، بل الظّاهر من الآية أنّها على نسق واحد كما ينادي به
__________________
(١) فصّلت : ٥٣.