(وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(١) وغير ذلك من الآيات والأخبار التي وردت في مناظرات أهل الكتاب ، وسيّما من رواة أصحاب أئمّتنا عليهمالسلام في مباحثهم مع الزّنادقة وأمرهم أصحابهم بذلك ، مع أنّ أصحاب النبيّ كانوا أقلّ حاجة الى النّظر لأنّهم كانوا يشاهدون المعجزات الباهرات ، بل كان يكفيهم رؤيته صلىاللهعليهوآلهوسلم ورؤية أحواله وأفعاله سيّما مع قلّة الشّبهات وعدم طروّ التّشكيكات التي حصلت بعد زمانهم.
وإن أريد أنّ تدوين الأدلّة والأبواب على ما جمعته (٢) الكتب الكلاميّة بدعة ، فكذلك حال الفقه ، فلا بدّ أن يكون هو أيضا حراما مع أنّ البدعة المحرّمة هو إدخال ما ليس من الدّين في الدّين بقصد أنّه من الدّين ، لا الاهتمام والجهد في تدوين ما سمعوه من الدّين وضبط العقائد اللّازمة ، وذكر ما يذبّ به عن شبهات الملحدين وتشكيكات الضّالّين المضلّين ، بل هو عين العبادة والطّاعة ، وان سمّيته بدعة ، فنمنع كون كلّ بدعة محرّمة.
هذا واعلم أنّ هذا الدّليل وما تقدّمه معارضته على القول بوجوب النّظر شرعا ، وإلّا فلا ترد هذه الأدلّة على من قال : بأنّ الوجوب عقليّ لا شرعيّ ، وذلك لأنّ النّزاع في وجوب النّظر وكفاية التّقليد مسبوق بالنّزاع في أنّ وجوب معرفة الله تعالى عقليّ أو شرعيّ ، فكلّ من الفريقين يختلف بعد إثبات مذهبه في المقام الثّاني.
فدليل القائل : بأنّ وجوب معرفة الله تعالى عقليّ ، هو وجوب شكر المنعم
__________________
(١) النّحل : ١٢٥.
(٢) في نسخة الأصل (جمعه).