الحقّ عن الباطل ، فإذا ثبت وجوب النّظر عندهم ، فيجب عليهم الأمر بالمعروف ، فيأمرون المكلّفين بالنّظر في هذه المسألة ، وبهذا يندفع ما لعلّه سيورد على ما حقّقناه آنفا من أنّ الغافلين منهم ليسوا مكلّفين بذلك ، من أنّ هذا يستلزم صحة طريق أكثر المخطئين ، فلا يجب إعلامهم لعدم كونهم آثمين كما ذكرناه في القانون السّابق في حكم الفروع.
ووجه الدّفع يظهر ممّا بيّناه ثمّة ، فإنّ الاستكمال أمر مقصود من الله تعالى ، ولم يكتف تعالى شأنه عن العباد بعدم كونهم معذّبين ولا بقليل من الفيض والخير ، بل أراد منهم الكمال ونهاية القرب على حسب استعدادات العباد ، فبعد تحقيق الحال وإخبار المجتهدين الآمرين بالمعروف إيّاهم بما حقّقوه ، فيحصل لهم تنبيه وتيقّظ ، فيجب على المكلّفين حينئذ ابتغاء طريقتهم في الاجتهاد والنّظر بحسب طاقتهم.
وطريقة التّنبيه تختلف (١) باختلاف المكلّفين ، وكذلك طريقة النّظر ، فربّما كان المكلّف من جملة الطلبة وقد حصّل حظّا وافرا من العلم ، ويطيق لفهم هذه الأدلّة التي يتداولها المجتهدون ، فالمجتهدون يلقون إليهم بتلك الأدلّة ليتفكّروها ويجتهدوا في مسألة لزوم النّظر وعدمه ، إذ قد ذكرنا أنّ ذلك من المسائل الكلاميّة التي من توابع أصول الدّين.
وإن لم يكن المكلّف في هذه المرتبة فيكفي التّنبيه له بأن يقال : أيّها المكلّف لا تكتف بتقليد أبيك وأمّك ، وراجع الى عقلك ، فإنّ محض التّقليد لا يصحّ [يصلح] الاطمئنان [للاطمئنان] فإنّ المكلّف حينئذ يمكنه التّمييز في هذه المسألة ، أعني لزوم النّظر والمراجعة وعدمه ، ويكفيه في المراجعة الاعتماد على عالم ورع
__________________
(١) في نسخة الأصل (يختلف).