وذلك إنّما يتمّ في مسلّمات الشّرع ، مثل : أنّ أهل الشّرع يمنعون الطّلبة عن النّظر في الحكمة لأنّ أهل الحكمة قد خالفوا مسلّمات الشّرع من حدوث العالم وعدم كون العقول مؤثّرات في السّفليات ، وكون المعاد جسمانيّا ، وإمكان الخرق والالتئام (١) في الأفلاك ، بل وتحقّقه ، وأمثال ذلك.
فإنّ كلّ مسلم يحكم بأنّ عدم الاعتقاد بالقدم والاستحالة للخرق والالتئام (٢) ونحو ذلك ، لا يوجب العذاب ، فإن أوجب ، فهو الاعتقاد بهما ، فلا يضرّ المنع عن النّظر في أدلّة الخلاف ، إذ المفروض بقاء اطمئنان المكلّف بحاله ، ولا داعي الى تنبيهه على الاشكال ، بل الدّاعي على خلافه ثابت.
وأمّا من حصّل مرتبة من العلم وقرع سمعه شبهات الحكماء ، فلا ريب أنّ الاكتفاء بقول العلماء في حرمة النّظر إنّما هو تقليد لهم في هذه المسألة التي هي من الأصول ، وأنّه حينئذ واجد للشبهة ومتنبّه للإشكال ، لا أنّه مظنّة للشّبهة ، وحينئذ نقول : إن كان شبهتهم ومخالفتهم إنّما هي على ما علم صدوره عن الشّرع ، فلا يمكن حصول الجزم واليقين بقولهم وأدلتهم مع الاعتقاد بالشّرع ، لامتناع اجتماع القطعيين المتخالفين.
وإن كان فيما يحتمل أن يكون مراد الشّرع غير ذلك ، كما يدّعيه حكماء الإسلام في كثير من المسائل ، فلا بدّ فيه من المراجعة والتأمّل ، فإن حصل اليقين على ما قالوه واحتمل الشّرع لموافقتهم ، فلا مناص من القول به ، وإن لم يحصل اليقين بما قالوه ، فيقدّم الشّرع وإن كان مظنونا ، لأنّ الظنّ الحاصل من ظواهر الشّرع ممّا لا ريب في حجّيته ما لم يعارضه قاطع ، بخلاف الظنّ الحاصل من
__________________
(١ ـ ٢) في نسخة الأصل (الالتيام).