العقل وإن كان قويّا في نفسه. وهذا هو مراد أهل الشّرع من قولهم بوجوب اتّباع الشّرع يقينا ، مع قولهم بأنّ هذا مقتضى ظاهر الشّرع وسيجيء تمام الكلام.
والحاصل ، أنّ هذا الدّليل لا يناسب إطلاق موضوع المسألة ، ومن هذا القبيل منع الشّارع من الخوض في مسألة القدر ، ومن هذا القبيل منع علماء المسلمين للعوامّ وللطلبة القاصرين عن مباحثة علماء اليهود أو النّصارى في مسألة النبوّة.
والحاصل ، أنّ هذا الكلام يتمّ ما بقي اطمئنان المكلّف بحاله ، ومع تزلزله فكيف يقال بالمنع عن النّظر مطلقا.
السّابع : أنّ الأصول أغمض من الفروع وأبعد عن الأفهام منها ، فإذا جاز التّقليد فيها ففي الأصول أولى.
وهذا الدّليل أيضا إنّما ينفع في الأغلب للعلماء المجتهدين المناظرين ويصير اختيار المذهب فيه مثمرا لجواز تنبيه العوامّ وأمرهم بمقتضى ما رأوه.
وفيه : منع الأغمضيّة فيما يحتاج إليه المكلّفون ويثبت التّكليف به من حيث إنّه أصول الدّين.
نعم ، قد يحصل الأغمضيّة في عروق مسائلها وأعماقها التي لم يثبت تكليف النّاس بها ، وإنّما يجب الغور فيها والنّظر والتّدقيق ، والنّقب لمعرفة الشّبهات ، وطريقة دفعها كفاية لمن كان قابلا لذلك ومستعدّا له حراسة للدّين المبين وإرغاما لأنوف الجاهلين والمبطلين ، ولا مدخليّة لذلك فيما نحن بصدده ، بل أدلّة أصول الدّين مبنيّة على قواعد مضبوطة وضوابط محدودة تحصل لمن صرف فيه برهة قليلة من الزّمان ، ولم يقم دليل على وجوب أزيد ممّا تقتضيه هذه الأدلّة ، بخلاف فروع الدّين فإنّها متشتّتة متفرّقة مبنيّة على أدلّة متخالفة ظنّيّة ، لا مدخليّة لإدراك