العقول فيها ، ويحتاج الى صرف جميع العمر أو أغلبه فيها ، وهذا من الوضوح بحيث لا يحتاج الى البيان.
والذي جعله الطّلبة في أمثال زماننا وسيلة لانحرافهم عن تحصيل الفقه واشتغالهم بتحصيل حكمة اليونانيين من المشّائين والإشراقيّين (١) تمسّكا بأنّ معرفة الله تعالى مقدّم على عبادته وطاعته ، ولا يمكن إلّا بتحصيل هذه العلوم ؛ فهو من وساوس الوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور النّاس.
فربّما يصرفون عمرهم جميعا في تحصيل هذه العلوم تمسّكا بأنّه من مقدّمات الفقه ، إذ الفقه هو العلم بالأحكام الشّرعيّة ، وذلك يتوقّف على معرفة الشّارع ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.
حاشا وكلّا أن يكون ذلك موجبا للمعرفة أو موجبا لمزيدها أو ممّا يتوقّف معرفة الفقه والشّرع عليها.
نعم ، قد يصير موجبا للزّندقة والإلحاد ، وقد يوجب كثرة البعد عن ساحة القرب والنّدامة والحسرة يوم التّناد ، وربّما يموت أحدهم بعد مضيّ خمسين سنة من عمره أو تسعين ، وبعد لم يعرف مسائل وضوئه وتيمّمه وصلاته ، وليس علمه
__________________
(١) وفي مثل هذا المقام ولمزيد من البيان يمكن لك الرجوع الى ما دوما يشير إليه ويؤكد عليه في هذا العصر المرجع الدّيني على الاطلاق وآية الله في الآفاق الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني (دام ظلّه) في كتبه وأقواله التي يحذر بها من التّوجه الى الفلسفة ويؤكد على مخاطرها ومفاسدها الثقافية على الحوزات والمجتمعات الدينية ، والتي قد تفضي الى القول بوحدة الوجود وآراء الكفر والفساد والزّندقة والأهواء والمذاهب الباطلة فيضيّع بعضهم في قراءتها عمره بدلا من أن يستفيد من علوم اهل البيت ومعارفهم عليهم الصلاة والسلام التي تكفي المئونة وتؤدي بالمعونة.