فإن قلت : يكفي ثبوت حجّية هذا الظنّ بالإجماع وإن كان من جهة كونه ظنّ المجتهد ، لأنّه يثبت أصالة حرمة العمل بالظنّ وهو المطلوب.
قلت : إذا سلّمنا الإجماع على ذلك من أجل كونه ظنّ المجتهد ، فلا نمنع أنّه من أجل أنّه حصل له من الكتاب ، بل من حيث إنّه ظنّ المجتهد ، وهو حجّة عليه وعلى مقلّده بالإجماع ، ولا يصير حجّة على الغير.
والحاصل ، أنّا نفرض المسألة أصوليّة ونقول : هل يجوز العمل في الأحكام الشرعيّة سواء كانت أصوليّة أو فقهيّة على الظنّ مطلقا ، أو لا يجوز العمل إلّا باليقين أو الظنّ المعلوم الحجّية ، فيجب على كلّ من اختار أحد طرفي المسألة من إقامة الدّليل على مطلبه ، فإن استدلّ المنكر للعمل بالظنّ بمثل قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١).
فنقول له : إن كان الظنّ الحاصل من هذه الآية قبل استفراغ الوسع والفحص عن المخصّص والمعارض ، وقبل إبطال دليل الخصم من انسداد باب العلم وانحصار الطّريق في الظنّ ، فلا إجماع على حجّية مثل هذا الظنّ الحاصل من الآية كما هو واضح ، وإن كان بعد استفراغ الوسع والفحص من الطّرفين فيحصل الظنّ للمنكر بسبب الآية بعدم الجواز ، وذلك بأن يدّعي عدم انسداد باب العلم ، أو يثبت كون الأدلّة المعهودة من خبر الواحد والاستصحاب وغيرهما قطعيّ العمل ، فهو حجّة حينئذ عليه وعلى مقلّده.
كما انّ المجوّز أيضا إذا أبطل قطعيّة هذه الأدلّة وأثبت انسداد باب العلم يبني على العمل بالظنّ ، فرأي كلّ من هذين المجتهدين حجّة عليه وعلى مقلّده
__________________
(١) الإسراء : ٣٦.