يتفطّنون بها وكيفيّة ترتّبها ، وذلك لا يوجب عدم حصول اليقين لهم أو عدم ترتّب يقينهم على تلك المبادئ ، بل وكثير من المعلومات ممّا لا يعلم العالم بها أنّه يعلمها ، وذلك لا يوجب عدم العلم بها ، فقد تراهم يفرّون عن تحت الحائط المائل مخافة السّقوط ، وذلك مبتن على ما في ذهنهم من أنّ هذا الحائط مائل وكلّ حائط مائل ممّا يترقّب سقوطه ، فهذا ممّا يترقّب سقوطه ، ولكن لا يتذكّر حين الفرار هذه المقدّمات ولا يترتّبها في الذّهن هذا التّرتيب بالتّفصيل حتّى يقال : إنّه استدلال بالبرهان المنطقيّ التّفصيليّ ، بل هو استدلّ بذلك البرهان إجمالا ، فما دعاه الى الفرار هو إجمال المقدّمتين لا تفصيلهما.
ولا نقول : إنّ الباعث على الفرار هو ملاحظة محض الجدار الخاصّ ، فإذا طولب ذلك العاميّ بدليل الفرار وأوخذ بأنّك لا تعرف البرهان المنطقيّ وشرائطها فكيف حصل لك العلم أو الظنّ بذلك لضحك العقلاء بذلك المطالب المؤاخذ ، بل هذا الكلام تضحك منه الثّكلى.
ومطالب العقلاء متشابهة ، وكلّها مبتنية على المبادئ المناسبة لها ، بل لا أستبعد أن أقول بوجود تلك المبادئ وحصول الاستدلال للبهائم ، فلاحظ الكلب إذا انحنيت الى الأرض لترفع حجرا كيف يفرّ ، والظّاهر أنّ الدّاعي له على ذلك هو المقدّمتان ، يعني هذا الشّخص يريد أن يضربني ، وكلّ من يريد ضربي يجب الفرار منه ، فيجب الفرار منه ، وتخصيص المعارف الخمس واليقين بها بالدّليل التّفصيليّ دون سائر المطالب المعقولة ، لا وجه له ، إذ ذلك ليس من الأمور التعبديّة حتّى يخصّ بالنصّ مع عدم نصّ على لزومه أيضا ، وهذا هو المراد بالدّليل الإجماليّ.
وإن شئت توضيح الحال فقس حال العلم بالعمل ، والدّليل على النيّة ، فكما أنّ التّحقّق في نيّة العمل هو الدّاعي الى الفعل لا المحضر بالبال ، فكذلك فيما نحن فيه ،