الباعث على حصول العلم هو المبادئ الحاصلة في النّفس وإن لم يخطرها تفصيلا بالبال ، سيّما بهذا التّفصيل الخاصّ.
وأمّا قولنا فيما سبق : من كفاية ما تطمئنّ إليه النّفس ، هو بيان مقدار دلالة الدّليل ، وليس ذلك قسما آخر من الدّليل ، وليس ذلك من الدّليل الإجماليّ وتفسيره كما يتوهّم.
وبعبارة أخرى : إذا سأل سائل : هل يجب في الدّليل أن يفيد اليقين ، أعني الاعتقاد الجازم الثّابت المطابق للواقع أو يكفي مطلق الجزم أو يكفي مطلق الظنّ؟
فنقول : يكفي ما تطمئنّ به النّفس على التّفصيل الذي مرّ ، وقد مرّ وجهه.
والى ما ذكرنا في بيان الدّليل الإجماليّ ينظر كلام من مثّل في المقام (١) أي كفاية الدّليل الإجماليّ بقول الأعرابيّ : البعرة تدلّ على البعير وأثر الأقدام تدلّ على المسير أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلّان على اللّطيف الخبير (٢).
وما قد يتوهّم من وجوب الاستدلال التفصيليّ مع العلم بشرائط البرهان المنطقيّ وكيفيّة الترتيب وأخذ النتيجة تفصيلا ، أنّه لا يمكن تحصيل العلم من ملاحظة الأثر بالمؤثّر ومن المصنوع بالصانع إلّا مع ما ذكر ، فهو من غريب القول ، وأغرب منه ما يدعو المتوهّم الى المناقشة في المثال المذكور ، وأنّ استدلال الأعرابيّ باطل لأنّه قياس مع الفارق ، لأنّ أثر الممكنات بديهيّ الدّلالة على الممكن ، بخلاف أثر الواجب فإنّ كون البعرة فعلا وأثرا من الحسّيّات ، وكون الفعل
__________________
(١) كصاحب «المعالم» ص ٥٣٥.
(٢) البحار : ٦٦ / ١٣٤.