يحتاج الى فاعل أيضا بديهيّ ، بخلاف دلالة السّماء على الله ، إذ كون السّماء أثرا ، نظريّ موقوف على بيانه أنّه ممكن وكلّ ممكن أثر ، وكلاهما نظريّان.
وفيه : أوّلا : منع كون كلّ آثار الممكنات بديهيّة الأثر ، فإنّا قد نتردّد في كون بئر واقعة في قلّة الجبل أو مغارة واقعة فيها أنّها من فعل الواجب أو فعل الممكن ، ولا فرق بين هذا وبين نفس الجبل في أنّهما محتاجان الى مؤثّر ، ولكن لمّا نعلم بالتّجربة والشّواهد الظّاهرة بأنّ الأجسام ليست من خلق العباد ، نتردّد في البئر بين كونها أثر الواجب أو الممكن ، بخلاف أصل الجبل ، ورؤية جنس البئر أثرا للممكن لا يقتضي الحكم بكونها مطلقا كذلك ، بل يحتاج إثبات كون هذا النّوع من البئر أو شخصها أثرا للممكن وفعلا له الى الدّليل ، فهو إنّما يدلّ على مؤثّر ما لا خصوص الممكن ، فنقول : إنّ تلك البئر إمّا كونها (١) أثرا وفعلا بديهيّ أو نظريّ ، فإن كان نظريّا ، فلا يصحّ قولك : إنّ كلّ أثر الممكن بديهيّ الأثر ، وإن كان بديهيّا فصحّ أن يقال : أثر الواجب أيضا قد يكون بديهيّ الأثر ، إنّما الكلام في تعيين المؤثّر أنّه واجب أو ممكن ، ومن هذا القبيل اللّؤلؤ المصنوع والمرمر المصنوع ، مع أنّه ربّما لم ير أحد بعض آثار الممكن ولا نوعه ويحكم بأنّ له صانعا مثل بعض الآلات المصنوعة لمعرفة السّاعة.
والقول : بأنّ التّتبّع يقتضي الحكم بأنّها من أفراد آثار الممكنات ، فيلحق بها ، يدفع أصل كلام المتوهّم ويثبت المطلوب إذ بذلك الفرق الحاصل بالاستقراء حصل الحكم بأنّ بعض الأشياء أثر الواجب وبعضها أثر الممكن ، فإنّ التّفرقة بين الأثرين من حيث كونهما أثرين يستلزم تصوّر أثريّتهما وإن لم يستلزم تصوّر
__________________
(١) في نسخة الأصل (إنّ ذلك البئر إمّا كونه)