نعم ، قد يكون بعض المصنوعات دالّا على الصّانع دلالة سريعة من جهة بداهة الصّدور التي أوجبت الغفلة عن المبادئ وأغنت الحاجة عن ملاحظتها ، فذلك أيضا لا يخلو عن قياس ، لكنّ قياسه معه.
والحاصل ، أنّ الباعث على العلم هو انطواء ضميره به وإن لم يقدر على ترتيبه وتحريره ، والتزام تعلّم المنطق وقواعد البرهان لعامّة العوامّ ممّا ينادي بفساده البديهة ، وليس ابتناء استفادة المجهولات واستعلامها من المعلومات على القواعد المنطقيّة في نفس الأمر وحصولها من جهتها موقوفا على معرفة هذه الطّرق (١) على التّفصيل المعهود كما أشرنا سابقا.
وليس حال المنطق إلّا حال العروض ، فإنّ من له طبع موزون لا معرفة له بحال البحور والتّقطيعات ، فيأتي بالأشعار الموزونة المتينة ، ولا يحتاج الى استحضار قواعده وكيفيّة ميزان الطّبع وحال التّقطيع ، وهكذا حال الفصاحة والبلاغة ، فإنّ أهل البادية ربّما لم يسمع أحد منهم اسم الاستعارة فضلا عن المصرّحة والتّبعيّة ، وبالكناية والتّخيّل [والتّخييل] والتّرشيح والتّجريد ، وكذلك شيئا من قواعد المحسّنات اللّفظية ولا المعنويّة ، ولا معنى الجناس والطّباق والإيهام والتّشريع وذي القافيتين ، ونحو ذلك ، ويأتي بكلام مشتمل على جميع قواعد هذه الفنون ، واحتياج التّنبيه على الغفلة لفاقدي الطّبع ومعوجي السّليقة مشترك بين الجاهلين لتلك الموازين وعالميها.
والحاصل ، أنّ العوامّ قاطبة يستدلّون في أمور معاشهم ومقاصدهم الدّقيقة بالبراهين الصّحيحة مع عدم تفطّنهم ، لأنّ تلك البراهين مترتّبة في أنفسهم على
__________________
(١) في نسخة الأصل (الطّرائق)