الثّاني
قال المحقّق في «المعارج» (١) بعد إقامة الأدلّة على عدم جواز التّقليد في الأصول عقلا ونقلا : وإذا ثبت أنّه غير جائز ، فهل هذا الخطأ موضوع عنه؟
قال شيخنا أبو جعفر رحمهالله : نعم ، وخالفه الأكثرون.
احتجّ باتّفاق فقهاء الأعصار على الحكم بشهادة العامّيّ مع العلم بكونه لا يعلم تحرير العقائد بالأدلّة القاطعة.
لا يقال : قبول الشّهادة إنّما كان لأنّهم يعرفون أوائل الأدلّة وهو سهل المأخذ ، لأنّا نقول : إن كان ذلك حاصلا لكلّ مكلّف ، لم يبق من يوصف بالمؤاخذة ، فيحصل الغرض وهو سقوط الإثم ، وإن لم يكن معلوما لكلّ مكلّف ، لزم أن يكون الحكم بالشّهادة موقوفا على العلم بحصول تلك الأدلّة للشاهد منهم ، لكن ذلك محال ، ولأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يحكم بإسلام الأعرابيّ من غير أن يعرض عليه أدلّة الكلام ولا يلزمه بها ، بل يأمره بتعلّم الأمور الشّرعيّة اللّازمة له كالصلاة وما أشبهها. انتهى كلامه رحمهالله.
أقول : وهذه الكلمات لا تلائم ما يظهر من كلام العلّامة رحمهالله في «الباب الحادي عشر» (٢) وكلام الشهيد في «الألفيّة» (٣) ، وغيرهما ، إذ ظاهرهما عدم تحقّق الإيمان مع التّقليد.
__________________
(١) ص ٢٠٠.
(٢) في مقدمة «الألفية» حيث قال : كل ذلك بالدّليل لا بالتقليد ، راجع كتاب «المقاصد العلية في شرح الرسالة الألفية» ص ٤١٥.
(٣) ص ٢٠٠.