وأمّا الوجوب من الحيثيّة الأخرى ، فهو : أنّ نفس العلم واليقين مطلوب لئلّا يحصل التّزلزل والشّك ، ثمّ إنّ التّوصّل الى المطلوب قد يحصل بشيء آخر ، فهو من هذه الجهة مسقط عن التّكليف بالتّوصّل بالواجب الأوّل ، وإن كان ما يتوصّل به الآن حراما كما أشرنا إليه في مباحث الأوامر ، فإذا أمكن الوصول الى الإسلام وما يتبعه بالجزم الحاصل من التّقليد ، فسقط اعتبار وجوب النّظر التّوصّليّ الى الإسلام وبقي اعتبار وجوبه الآخر.
فمراد الشيخ رحمهالله من كون هذا الخطأ موضوعا ، أنّه لا يوجب حينئذ اتّصاف صاحبه بالفسق ، وذلك مثل : انّ إخراج الماء من البئر لأجل الوضوء واجب توصّليّ عينيّ إذا انحصر الأمر فيه على الظّاهر ، فإن اتّفق أنّ المكلّف عصى وتكاهل عن ذلك ، فإذا بأحد جاء بالماء عنده وتوضّأ به وصلّى ، فلا مانع من القول بعدم المؤاخذة على ترك ذلك الواجب.
وكذلك قال بعدم المؤاخذة على تركه مع كونه واجبا لأجل نفس تحصيل اليقين من حيث هو أيضا ، واستدلّ على مطلبه بالطّريقة المستمرّة الجارية مجرى الإجماع كما أشار اليه المحقّق رحمهالله وسنذكره أيضا.
فالحاصل ، أنّ الكلام في هذه المسألة إمّا على نفس الأصول في مقابل الفروع ، وإمّا على خصوص الأصول التي هي أصل دين الإسلام ، فخطاب كلّ المكلّفين بالنّظر والاجتهاد ليجتنبوا عن غير الإسلام ويؤول الأمر الى الإسلام ، وخطاب المسلمين خاصّة به لأجل تحصيل اليقين والفلاح عن الزّلل وعدم الابتلاء بسائر الأديان ، وكذا الكلام في سائر الأزمان بالنّسبة الى الدّين المطلوب فيه.
فقولهم : يجب الاجتهاد في أصول الدّين ، معنى يعمّ لجميع أهل الدّيانات مع قطع النّظر عن دين خاصّ وطريقة خاصّة ، وإن كان غاية ما يؤول الى ما هو الحقّ