الأسرار ولكنّهم على مقتضى : ربّ حامل فقه الى من هو أفقه منه ، قد حملوا هذه الظّواهر إلينا ونحن أهل السّرائر ، فنحن مكلّفون بما نفهمه منها ؛ محض دعوى خالية عن دليل ، بل نشاهد أنّ كثيرا من هؤلاء الأجلّة أعظم شأنا وأعلى مكانا وأكثر استعدادا من أكثر من يدّعي أنّه من أهل هذه الأسرار ، ومع ذلك ليس عندهم ممّا ذكروه عين ولا أثر.
الثاني : أنّ الحكمة في وضع الألفاظ هي إفادة المعاني الحقيقيّة ، وإرادة المجاز والبطون لا يصحّ إلّا مع نصب القرينة ، فيرجع الكلام الى دعوى أنّ ما حكمة (١) عقولنا القاطعة وبراهيننا السّاطعة قرينة ، وإنّما هو الذي دعانا الى حمل الظّواهر على ما أردنا.
وفيه : أنّ هذا ليس قولا بالشّريعة ومتابعة لها ، بل إنّما هو تفضّل منهم على الشّارع حيث لم يهملوا كلامه ولم يغلّطوه ، فذلك منهم منّة عظيمة على الشّارع ، فيرجع الكلام الى بيان ما أسّسوه وتتميم ما ادّعوه ، لا الى أنّ الشّارع أراد هذا وأراد ذلك ، فإن قام البرهان القاطع على شيء ممّا خالفت الظّواهر ، فنحن أيضا متّبعوه كما نؤوّل متشابهات آيات الجبر والتشبيه ونخرجها عن ظاهرها لكون قبح الظلم والتجسّم قطعيّا يقينيا.
وأمّا مثل قوله تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ)(٢) يعني العظام الرّميم ، فلا برهان قطعيّ يدلّ على خلافه حتى نؤوّله.
والحاصل : أنّ ما ورد في الشّرع ، وإن كان في نظر العقل ضعيفا غاية الضّعف ،
__________________
(١) في نسخة الأصل (حكم).
(٢) يس : ٧٩.