فلا يجوز العدول عنه ما بقي له احتمال الصحّة ، وإن كان في غاية الضّعف ، ويجب طرح ما عارضه من الأدلّة العقليّة ، وإن كان في غاية القوّة ما لم يبلغ حدّ اليقين ، وأنّى لهم بإثبات اليقين في استحالة المعاد الجسمانيّ أو عذاب القبر ، أو أمثال ذلك ، وذلك لأن يكون الشّارع صادقا مسلّم ، وكون هذه الظّواهر كان صادرا منه مسلّم بالفرض ، والعمل على مقتضى الظّواهر هو مقتضى حكمة وضع الألفاظ ، ومقتضى البعث على الكافّة.
فإن قلت : إنّ حمل اللّفظ على المجاز بالقرينة أيضا مقتضى الوضع وطريقة العرب ، والقرينة هو ما فهمناه من جهة العقل.
قلت : إن كان ما فهمته مرجّحا لإرادة المجاز وإن احتمل غيره حتّى يجعل ذلك في مقابل إرادة الحقيقة ، ويقدّم ذلك المرجّح على مرجّح الوضع ، فهذا يؤول الى جعل الأصول من قبيل الفروع ، مبنيّا على الظّنون والمرجّحات.
وإن قلت : لا يحتمل غيره.
فالكلام معك في إثبات البرهان على استحالة مقتضى الظّاهر.
فإن قلت : نعم ، ولكن من أين حصل لك اليقين من جهة الظّواهر مع أنّك معترف بكونه ظاهرا ، فأنت أيضا على ظنّ من دعواك؟
قلت : إنّ تعاضد هذه الظّنون قد يفيد القطع ، مع قطع النّظر عن ملاحظة العمل والإجماعات المنقولة ، والطّريقة المستمرّة الحاصلة لأرباب الدّين ، بل سائر الأديان والملل. وذلك كما يحصل العلم بالمراد في الأعمال كالصّلاة والحجّ وغيرهما ، فإنّها أيضا محتملة لأن يراد منها أسرار ومطالب خفيّة غير هذه