أقول : إذا كان المراد من الإصابة عدم الإثم ، فلا يلزم ذلك لما مرّ منّا الإشارة ، بل لا يصحّ حينئذ القول بالإصابة بمعنى إدراك ما في نفس الأمر ، وقد عرفت التّحقيق في المسألة ، وأنّ غير المقصّر لا إثم عليه ، وإن أخطأ الحقّ ، وإن قلنا :بجريان حكم الكفّار عليه إن أخطأ الإسلام.
احتجّ الجمهور : بأنّ الله تعالى كلّف فيها بالعلم ونصب عليه دليلا ، فالمخطئ له آثم مقصّر ، فيبقى في العهدة.
وجوابه : منع التكليف بالعلم مطلقا إن أريد اليقين ، بل يكفي ما هو اليقين عنده ، بل يكفي مطلق الجزم الذي تطمئنّ به النفس.
ولازم قول من كان يكتفي بالظنّ كالمحقّق الطوسيّ وغيره ، أن يكتفي به في غير الإسلام أيضا ، بالنّظر الى المؤاخذة وعذاب الآخرة ، وإن لم يكن الاكتفاء من جهة نفي أحكام الكفر ، لئلّا يلزم الظّلم على الله ، وإن جعل المعيار في التّكليف هو زوال الخوف وعدم احتمال البطلان ، فتساوى فيه الاجتهاد المطابق للواقع وغيره.
والحاصل ، أنّه لا دليل على كون الكافر المجتهد في دينه مع عدم تقصيره مستحقّا للعقاب ، دون المسلم مع تساويهما في المرتبة والاجتهاد كما أشرنا سابقا. ويشكل المقام من جهة دعوى الإجماع من الخاصّة والعامّة ، كالشيخ والشّهيد الثّاني وغيرهما ، وابن الحاجب ومن تبعه على استحقاق عذاب الكافر والمؤاخذة في الآخرة ، ومن جهة ما ذكرنا من البرهان العقليّ.
ويمكن دفع هذا الإشكال : بأن يقال : مراد من ادّعى الإجماع إنّما هو في حال العلماء الفضلاء المجتهدين المطّلعين على أدلّة المسائل ، نفيا وإثباتا على التفصيل ، لا مطلق من يجتهد في دينه وإن كان عامّيّا.
ودعوى أنّ المجتهد الكامل لا يخفى عليه الحقّ لو خلّى نفسه ولم يقصّر ليس