قلت : لو سلّمنا منك هذا الإجماع ، فهذا عدول عن أصل الدّعوى ، لأنّ الدّعوى إنّما هي الإجماع على حجّية الظّواهر بعنوان العموم ، يعني حجّية كلّ واحد منها بحيث يكون الأفراد متعلّقا لدعوى الإجماع.
وهذا الكلام يقتضي دعوى الإجماع على قاعدة كليّة ، ومع ذلك فنقول حينئذ : خروج الظنّ الحاصل من الكتاب من عموم آيات تحريم الظنّ لا بدّ أن يكون من دليل قطعيّ أو ظنّي علم حجّيته ، فما هذا الدّليل؟
وقد فرضت أنّ الدّليل القطعيّ هو الإجماع المذكور ، وقد أبطلنا قطعيّته لدخول العامّ المخصّص ، أعني آيات تحريم العمل بالظنّ في مورده.
وأمّا إذا بطل قطعيّته ، فلا دليل على حجّيته ، لدخوله تحت عمومات الآيات المذكورة وإن كان الدّليل شيئا آخر من خبر متواتر أو شيء آخر ، فمع أنّه غير مسلّم وغير معلوم ، فهو خروج عن إثبات المطلب بالإجماع ، فلم يبق إلّا الاعتماد على الظنّ الاجتهاديّ.
فإن قلت : نحن ندّعي أنّ الإجماع على مجموع قولنا : إنّ كلّ الظّواهر حجّة ما لم يثبت المخرج عنه.
فهذه قاعدة قطعيّة خصّصنا به عموم آيات التحريم ، وخروج بعض الظّواهر بالدّليل لا يوجب عدم جواز العمل بالباقي.
قلت : قد أشرنا سابقا الى بطلان هذه الدّعوات ومنعها بقولنا : لو سلّمنا صحّة هذا التخصيص يرد عليه أنّ ذلك مستلزم لتخصيص ذلك الإجماع ، الى آخره.
فإن شئت أن أبيّن لك وجه المنع وعدم التّسليم حتّى يندفع عنك هذه الشّبهة.
فبيانه : أنّ الأصوليّين قد ذكروا أنّ دلالة العامّ على كلّ واحد من أفراده دلالة تامّة ، ويعبّرون عنه بالكلّي التّفصيليّ والكلّيّ العدديّ.