بعيدا من الصّواب ، بل هي دعوى صحيحة في أغلب تلك المسائل ، ويشهد بذلك أنّهم يذكرون هذه المسألة مع مسألة التّصويب والتخطئة في الفروع في مبحث واحد.
ولكن يرد عليه ، أنّ الدّليل الذي ذكروه من أنّ الله تعالى نصب عليه الدّليل يشمل العامّيّ والمجتهد ، وكذلك ما ذكروه من وجوب النّظر والاجتهاد في مسألة وجوب النّظر يشمل العامّيّ والمجتهد ، فيلزم أن يكون النّاظر من العوامّ أيضا آثما ، لأنّه لا يمكن أن يختفي عليه الحقّ ، فهو مقصّر.
وأنت خبير بأنّ هذا الكلام في حقّ أكثر العوامّ وفي أكثر مسائل أصول الدّين مجازفة ، كما ذكرنا في القانون السّابق ، ولو سلّم حصول الكفر وترتّب آثاره عليه في الدّنيا ، فلا نسلّم الإثم مع عدم التّقصير.
وقد يستدلّ بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(١) ، فاليهوديّ إذا جاهد في الله يهتدي الى الإسلام ، فإذا لم يهتد يظهر أنّه مقصّر.
أقول : المراد بكلمة (فينا) في حقّنا ، والمجاهدة مفاعلة مستلزمة للإثنين. وحملها على الجدّ والاجتهاد مجاز لا يصار إليه إلّا بدليل.
فالمعنى والله يعلم ، الّذين يدافعون الخصماء من شياطين الجنّ والإنس ، والوهم والخيال ، والكفّار والمحاربين أيضا في حقّنا لنرشدنّهم الى سبيلنا ولنعيننّهم على دفاع الأعداء ، بإيضاح الحجّة والبرهان ، وإعلاء السّيف والسّنان ، أو لننعمنّ عليهم بهداية سبلنا الخاصّة الموصلة الى مراتب من القرب لا يصله جهدهم بدون إعانتنا ، أو لنكملنّ لهم هداية جميع السّبل ولنجمعنّ لهم السّبل التي
__________________
(١) العنكبوت : ٦٩.