لم يهدوا إليها مع ما هدوا اليها ، فلا دلالة في الآية على مراد المستدلّ.
وظاهر الآية أنّ حقّنا أعمّ من حقّ الله نفسه ، وحقّ نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فالجهاد في الدّفاع عن مسألة نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله وآله وسلم بعد ثبوته هو دفاع عن حقّ الله تعالى ، فلا يرد أن يقال : الاجتهاد في مطلق النّبوّة للنصارى واليهود مجاهدة في الله ودفاع عن حقّ الله تعالى.
نعم ، إنّما يصحّ ذلك في حقّهم إذا كان دفاعهم من أنكر مطلق النبوّة ، لا تبديل نبوّة موسى وعيسى بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مع أنّ كلمة (جاهد) إن كان بمعنى الاجتهاد أيضا يلزم أن يكون المراد الدّفاع عن حقّ الله ومن ينتسب إليه بعد المعرفة واليقين ، لا حال الشكّ ، وأوّل النّظر والتردّد ، مع أنّ علي بن إبراهيم قال في تفسيره (١) في معنى (جاهَدُوا فِينا) أي صبروا وجاهدوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي لنثبتنّهم.
مع أنّ دعوى ذلك في جميع مسائل الأصول مثل التجرّد وعينيّة الصّفات والقدم والحدوث وغيرهما في غاية البعد ، مع أنّ الكلام يجري في مسألة جواز العمل بالظنّ في الأصول وعدمه ، ووجوب النّظر وعدمه ، فإنّ العلماء قد اختلفوا فيه ، فلا بدّ للمكلّف في هذه المسألة من الاعتقاد بأحد الطّرفين.
فإن قلنا : إنّ المجتهدين المتخالفين فيه كلاهما مصيب ، يلزم اجتماع النّقيضين.
وإن قلنا : أحدهما مخطئ آثم لأنّ الله تعالى قال : (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ،) فمن لم يصب فهو مقصّر آثم ، فلا بدّ أن يقول جمهور علمائنا : إنّ المحقّق الطوسيّ والمحقّق الأردبيلي رحمهالله ومن تبعهما آثمون مقصّرون أو بالعكس.
__________________
(١) «تفسير القميّ» ٢ / ١٢٩ آخر سورة العنكبوت.