وورود هذا البحث في الفروع ، وعدم انطباق الآية ، أظهر من أن يخفى.
والقول : بأنّ السّبيل هاهنا هو ما يستقرّ عليه ظنّه مع أنّه يمكن جريانه فيما نحن فيه كما أشرنا سابقا ، في غاية البعد ، وسيجيء الكلام في الفروع.
واحتجّ الجمهور أيضا : بإجماع المسلمين على قتال الكفّار وعلى أنّهم من أهل النّار ، وأنّهم كانوا يدعونهم بذلك الى النجاة ، ولا يفرّقون بين معاند ومجتهد ، وخال عنهما.
والجواب عن ذلك يظهر ممّا مرّ ، إذ الجهاد مع الكفّار وقتلهم من الأحكام الثابتة للكفّار في الدنيا ، وهو لا يستلزم تعذيب الغير المقصّر منهم في الآخرة.
وأمّا الإجماع على أنّهم من أهل النّار ، فنمنع الإجماع في غير المقصّرين للزوم الظلم عليه تعالى.
وأمّا ظواهر الآيات والأخبار الدالّة على ذلك ، فالمتبادر منها المعاندون والمقصّرون ، بل هو الظّاهر من الكفر كما أشرنا ، ويؤيّد ذلك قول أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في الخطبة الثّانية ليوم الجمعة المرويّة في «الفقيه» (١) : «اللهمّ عذّب كفرة أهل الكتاب الّذين يصدّون عن سبيلك ويجحدون آياتك ويكذّبون رسلك».
وأمّا حجّة الجاحظ فهو ما مرّ من أنّه غير مقصّر.
وقد يستدلّ أيضا : بأنّ تكليفهم بنقيض اجتهادهم تكليف ما لا يطاق ، فإنّ المقدور إنّما هو النّظر وترتيب المقدّمتين ، وأمّا الاعتقاد بالنتيجة فهو اضطراريّ لا يمكن التكليف بخلافه.
__________________
(١) «من لا يحضره الفقيه» ١ / ٤٣٢.