والكلام في ذلك نظير الكلام في تكفير منكر الضّروريّ ، ويقع الإشكال في تعيين من يستحقّ التّكفير والتّأثيم ومن لا يستحقّ ، وأنّ الأصل أنّ المكلّف مقصّر ، أو أنّ الأصل عدم التّكفير والتّعذيب حتّى يعلم ذلك ، فراجع وتأمّل.
وأمّا الفرعيّات الشّرعيّات ، كالعبادات البدنيّة والمعاملات ، فقالوا : إن كان عليها دليل قاطع ، فالمصيب فيها أيضا واحد ، والمخطئ غير معذور ، والظّاهر أنّ مرادهم أن يكون على المسألة دليل قطعيّ بحيث لو تفحّصه المجتهد لوجده جزما ، فعدم الوصول إليه كاشف من تقصيره وهو كذلك لو كان كذلك ، ويختلف ذلك أيضا بحسب أفهام المجتهدين ، إذ قد يحكم أحد المجتهدين بأنّ دليل هذه المسألة قطعيّ ويحكم الآخر بخلافه ، ويرجع الكلام فيه الى نظير ما ذكرنا في إنكار الضّروريّ.
وأمّا فيما لم يكن عليه دليل قطعيّ ، مثل سائر المسائل الاجتهاديّة فبعد استفراغ الفقيه وسعه في الاجتهاد ، فلا إثم عليه وإن أخطأ ، بلا خلاف إلّا من بعض العامّة ، ولكنّهم اختلفوا في التّخطئة والتّصويب.
فقيل : لا حكم معيّن لله تعالى فيها ، بل حكمه تعالى فيها تابع لنظر المجتهد ، وظنّ كلّ مجتهد فيها حكم الله تعالى في حقّه وحقّ مقلّده ، وكلّ مجتهد مصيب لحكم الله غير آثم.
وقيل : إنّ لله تعالى في كلّ مسألة حكما واحدا معيّنا والمصيب واحد ، ومن أخطأ فهو معذور ولا إثم عليه.
وهذا هو مختار أصحابنا على ما نسب إليهم العلّامة في «النّهاية» (١) ، والشهيد
__________________
(١) وكذا في «المبادئ» ص ٢٤٤.