والسلام في «نهج البلاغة» (١) في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا ، قال عليهالسلام : «ترد على أحدكم القضيّة في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثم تردّ تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ يجمع القضاة عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا وإلههم واحد ودينهم واحد وكتابهم واحد أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه أم نهاهم عنه فعصوه أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله دينا تاما فقصّر الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)(٢) ، وفيه تبيان كلّ شيء» (٣). الى آخر ما ذكره عليهالسلام.
ثم إنّ وجه الجمع بين ما ذكره وما نستعمله في أمثال زماننا هذا الزّمان ، هو أنّ كلامه عليهالسلام على العاملين بالقياس والرّأي لا بالكتاب والسنّة ، والى هذا يشير آخر كلام الشيخ رحمهالله في «العدّة» ويقيّد به ما نقله من المذهب عن مشايخ الإمامية ، وأنّ مراده عليهالسلام أنّه لا يجوز التعدّد في حكم الله الواقعيّ ، وإن أمكن على الظّاهر بالنّسبة الى المعذورين في زمان الحيرة والاضطرار ، أو بسبب الغفلة في فهم السنّة والكتاب في زمان الحضور أيضا.
فإنّ المجتهدين المختلفين بسبب تفاوت الأفهام ، ليسند كلّ منهم الحكم الى الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا الى الرّأي والقياس ، وأنّ الخطأ في ذلك معذور ، وقد
__________________
(١) «نهج البلاغة» الخطبة : ١٨.
(٢) الأنعام : ٣٨.
(٣) إشارة الى قوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ.) النحل : ٨٩.