الرّابع : علم الكلام ، لأنّ المجتهد يبحث عن كيفيّة التكليف ، وهو مسبوق بالبحث عن معرفة نفس التكليف والمكلّف ، فيجب معرفة ما يتوقّف عليه العلم بالشّارع ، من حدوث العالم وافتقاره الى صانع موصوف بما يجب ، منزّه عمّا يمتنع ، باعث للأنبياء مصدّقا إيّاهم بالمعجزات ، كلّ ذلك بالدّليل ولو إجمالا.
والتّحقيق ، أنّ العلم بالمعارف الخمسة واليقين بها لا دخل له في حقيقة الفقه. نعم ، هو شرط لجواز العمل بفقهه وتقليده ، فإذا فرض أنّ كافرا عالما استفرغ وسعه في الأدلّة على ما هي عليه واستقرّ رأيه على شيء على فرض صحة هذا الدّين ، ثمّ آمن وتاب وقطع بأنّه لم يقصّر في استفراغ وسعه شيئا ، فيجوز العمل بما فهمه.
ولا ريب أنّ محض التّوبة والإيمان لا يجعل ما فهمه فقها ، بل كان ما فهمه فقها ، وكان استفراغ وسعه على فرض صحّة المباني.
وهذا هو التّحقيق في ردّ الاحتياج الى العلم بالمعارف الخمس ، لا أنّ ذلك لا يختصّ بالمجتهد ، بل هو مشترك بين سائر المكلّفين ، كما ذكره الشّهيد الثّاني في كتاب «القضاء» من «شرح اللّمعة» (١) وغيره.
نعم ، يمكن أن يقال : إنّ معرفة أنّ الحكيم لا يفعل القبيح ، ولا يكلّف بما لا يطاق ، يتوقّف عليه معرفة الفقه ، وهو مبيّن في علم الكلام.
ووجه توقّف الفقه عليه أنّ الخطاب بما له ظاهر ، وإرادة خلافه من دون البيان قبيح ، فيجوز العمل بالظّواهر ، ويترتّب عليه المسألة الفقهيّة.
فإذا قلنا : إنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح ، فيترتّب عليه أنّ المسألة الفقهيّة هو ما اقتضاه ظاهر اللّفظ ، فأمثال ذلك ، هذا هو الموقوف عليه من علم الكلام.
__________________
(١) «الرّوضة البهية» ١ / ٢٧٧ من النّسخة المطبوعة عن الحجريّة.