الخامس : معرفة المنطق ، لأنّ استنباط المسائل من المأخذ يحتاج الى الاستدلال ، وهو لا يتمّ إلّا بالمنطق ، وكون الاستدلال بالشّكل الأوّل والقياس الاستثنائي بديهيّا ، وتحصيل النّتائج من المقدّمات غريزيّا طبيعيّا ، لا ينافي الاحتياج إليه فيما عرض الذّهن مرض الاعوجاج والغفلة بسبب الشّبهات.
كما أنّه قد يحتاج الطّبع الموزون الى استعمال العروض لنفسه أو لردع غيره من الغلط والاشتباه ، وذلك غير خفيّ على من زاول الاستدلال في العلوم.
وما يقال : من أنّ المنطق لو كان عاصما عن الخطأ لما أخطأ المنطقي في الاستدلال ضعيف إذ الإنسان جائز الخطأ في كلّ مرحلة إلّا من عصمه الله ، ولكنّه محفوظ عن الخطأ في الأغلب.
السّادس : معرفة أصول الفقه ، وهو أهمّ العلوم للمجتهد ، ولا يكاد يمكن تحصيل الفقه إلّا به ، ولا بدّ أن يكون على سبيل الاجتهاد ، لكثرة الخلافات فيه ، بل وكذلك الكلام في خلافيّات اللّغة والنّحو والصّرف أيضا ممّا يتفاوت به الأحكام ، كالاجتهاد في معنى الصّعيد والإزار والأنفحة ، ونحو ذلك. ويكفي في الأصول الظّنّ فيما لم يمكن فيه تحصيل العلم.
وما قيل : من أنّ مسائل الأصول ممّا لا بدّ فيه من العلم مطلقا ، فلا تحقيق فيه ، وقد أشرنا إليه سابقا ، ووجه توقّف الاجتهاد والفقه عليه من وجوه :
الأوّل : أنّ من أدلّة الفقه ، الكتاب والسنّة ، ولا ريب أنّهما وردا قبل ألف سنة أو أزيد ، ولا نعلم اتّحاد عرف الشّارع وعرفنا ، بل نعلم مخالفتهما في كثير ونشكّ في كثير.
نعم ، يحصل العلم بالاتّحاد في بعضها ، فلا كلام لنا فيما عرف مراد الشّارع أو