عدم وجوده رأسا.
ولعلّك قد قرع سمعك ما روي أنّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام امر أبا الأسود الدّؤليّ [الدّئليّ] بتدوين علم النّحو وتأسيسه ، فهل يحسن منك أن تقول : إنّ قبل ذلك لم تكن مسائل النّحو ثابتة في نفس الأمر؟
فما نحن فيه أيضا كذلك ، بل نقول : يحصل لمن تتبّع الأخبار ، العلم بوجود ذلك العلم في الصّدر الأوّل ، فإنّ حكم تعارض الأدلّة ، وما لا نصّ فيه ، والقياس والاستصحاب والعامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد ، والنّاسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ، وجواز الرّواية بالمعنى والإفتاء والتقليد ، وغير ذلك ، يستفاد من الأخبار وجودها في الجملة ، وكثير من المباحث لم يكونوا محتاجين إليها حينئذ لعدم تغيير العرف ، كمعرفة مباحث الحقيقة الشّرعيّة والأوامر والنّواهي وأمثال ذلك.
وعدم احتياجهم الى معرفة هذه المسائل لا يستلزم عدم احتياجنا ، كما لا يخفى على ذي مسكة ، مع أنّ في الأخبار إشارة الى كثير منها أيضا ، مثل ما ورد في الرّوايات أنّ الرّاوي سأل الإمام عليهالسلام أنّ الله تعالى قال : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ)(١) ولم يقل : افعلوا ، فما وجه الوجوب؟ وقرّره الإمام عليهالسلام على معتقده مع أنّه كان من أهل اللّسان أيضا.
وأجاب عليهالسلام من باب القلب أنّه تعالى قال في سعي الصّفا والمروة أيضا : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)(٢). مع وجوبه ، يعني أنّ الوجوب مستفاد من دليل
__________________
(١) النساء : ١٠١.
(٢) البقرة : ١٥٨.