القدماء ، ولا يحسن لعاقل إذا دار الأمر بين النّفي والإثبات ، وتردّد مذهب القدماء بين أحدهما ، أن يقولوا : لم يكونوا قائلين بأحد الطّرفين. مثلا إذا قلنا لك : هل كان أصحاب الأئمة عليهمالسلام قائلين بدلالة الأمر على الوجوب أم لا؟
فإن قلت : لم يكونوا قائلين بشيء منهما ، فهذا شطط من الكلام.
وإن قلت : كانوا قائلين بدلالته على الوجوب ، فهي مسألة أصولية.
وإن قلت : كانوا قائلين بعدم الدّلالة ، فهي أيضا مسألة اصوليّة ، إذ الأصوليّون يختلفون في المسائل.
فقال بكلّ من الطّرفين قائل ، مع أنّ ما بلغنا من الأخبار ليس إلّا قليل ممّا روته أصحابنا ، ولعلّه كان فيما لم يبلغنا ما يدلّ عليها.
وذهب بالحوادث كسائر الأخبار أو بسبب أنّهم لم يعتنوا بها بسبب كمال وضوحها ، مع أنّ الحكمة قد كان يقتضي إلقاء العلوم تدريجا كما هو الدّيدن والدّأب في الفروع ، إذ لم يجر عادة الله تعالى بإمكان تعليم الأمور الغير المتناهية دفعة ، وكذلك تعلّمها. فقد تتفاوت أحوال الأزمنة ، بل الأشخاص في زمانين ، فمتى اقتضت المصلحة يظهرون ما لم يظهروه في الآن الأوّل ، فقد تقتضي المصلحة ذكر بعض دون بعض ، وكذا قد تقتضي المصلحة في البعض الذي ذكروه أن يجملوه أوّلا ثمّ يفصّلوه ، وقد يقتضي الإجمال وحوالة التفصيل على أفهامهم لإمكان تحصيله من الإجمال ، بل هذا هو الطريق في أصول الدّين أيضا ، فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يكتفي من الأعرابي بإظهار الشّهادتين مع أنّ الإسلام أمور كثيرة هما إجمالها ، فالشّهادة بالتوحيد لا تتمّ إلّا بتنزيه الله تعالى عن الشّريك والنّظير والجسميّة والمكان وما يستلزمانه ، وكونه مستجمعا للصفات الكمالية بحيث لا يلزم منه التركيب والاحتياج وحلول الأعراض فيه وغير ذلك ، وعدم صدور