الآخر ، للزوم التناقض في الكلام ، ويعود عليه البحث الذي ذكرناه سابقا وهو أنّ ما يثبت وجوده عدمه فهو محال.
ومن ذلك يظهر الجواب عمّا يمكن أن يقال هنا في مقام التّوجيه بعبارة أخرى ، وهو أنّ الإجماع انعقد على حجّية كلّ الظّواهر بعنوان العموم وانعقد إجماع آخر على عدم حجّيّة هذا الظّاهر الخاصّ ، أعني دلالة آيات التحريم على حرمة العمل بظاهر القرآن ، وهذا الإجماع الثاني مخصّص للإجماع الأوّل ، وذلك لأنّ هذا الإجماع الثاني لا معنى له في الحقيقة إلّا الإجماع الأوّل.
فأمّا ذلك الإجماع لا أصل له ، وأمّا آيات التّحريم فلا عموم فيها أصلا ، بل هي مخصوصة بمعنى معيّن مثل أصول الدّين أو ما يتّهم به المسلمون ونحو ذلك ، وأيّهما ثبت يكفينا في إتمام المطلوب وهو بطلان أصالة حرمة العمل بالظنّ.
فتأمّل فيما ذكرته بعين الدّقّة والإنصاف تجده حقيقا بالقبول إن شاء الله تعالى.
ثمّ إن تنبّه الخصم بما ذكرنا له من الجواب ، وأعرض عمّا تحاوله أوّلا من تخصيص عموم آيات التحريم بالإجماع المدّعى ، ورام سلوك مسلك آخر لتأسيس أصالة حرمة العمل بالظنّ ، وقال : إنّه لا تخصيص هنا أصلا ، بل دلالة القاعدة المستفادة من الإجماع دلالة تامّة واردة على جميع جزئيّاتها ، بتقريب أنّ مثل قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) وأمثاله باقية على ظاهرها ، فإنّ المراد منها النّهي عن الظنّ الذي لم يكن مستندا الى قاطع ، وسائر الظّنون الحاصلة من سائر الآيات مستفادة من القاطع ، وهو القاعدة المعلومة بالإجماع ، فلم يدخل تحت آيات التحريم حتّى يحتاج الى التخصيص أو الى إجماع آخر.
__________________
(١ ـ ٢) الإسراء : ٣٦.