فنقول في جوابه : إنّ هذا غفلة عن الفرق بين الظّاهر والقاطع ، بل الحقيقة والمجاز. فإنّ الضمير المجرور في قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) يعود الى الموصول نفسه لا إلى وجوب العمل به ، فيحتاج ما ذكرته الى إضمار ، بل يلزم استعمال الضمير في المعنى الحقيقيّ والمجازيّ في استعمال واحد ، وهو باطل ، يعني (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٢).
ولا بوجوب [يوجب] العمل به علم ، أو لا بدّ أن يحمل العلم على معنى يشمل العلم وما يوجب العمل به ، وهو أيضا مجاز ، فأين مقتضى القاعدة الحاصلة من قرينة للتجوّز في بعضها الآخر ليس بأولى من العكس لوقوع الكلّ في مرتبة واحدة فيحتاج الى دعوى إجماع آخر ، بل إجماعين آخرين ، وقد عرفت الحال فيه.
وكذلك في الآيات النّاهية عن اتّباع الظنّ ، فإنّ حمل الظنّ على الظنّ الذي لا قاطع على العمل به ، تخصيص صريح ، وهو كرّ على ما فرّ منه.
وبالجملة ، لا ريب أنّ ما يحصل من قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)(٣) مثلا الظنّ بأنّ حكم الله تعالى في الواقع وجوب تطهير الثّوب عن النجاسة ، لا العلم به ، لاحتمال إرادة مطلق التنظيف والتّقصير ، وهذا هو المعنى الحقيقي للظنّ ، ووجوب العمل على هذا الظنّ لو ثبت ، لا يخرج ذلك الحكم عن كونه مظنونا ، وهذا واضح لا سترة فيه.
ثم إن رجع الخصم وقال : إنّ كلّ ظاهر قام عليه دليل قاطع فهو معلوم بحسب
__________________
(٢) الإسراء : ٣٦.
(٣) المدثّر : ٤.