ينافيه الاحتمال العقليّ وهو أن تكون الباصرة مئوفة (١) في نفس الأمر واشتبه عليه الأمر لأنّ ذلك أمر ممكن.
فالجواب عنه بمثل ما مرّ.
أقول : ومن البعيد غاية البعد تنزيل كلام العلّامة رحمهالله على ما ذكره من منافاة حصول الجزم بالشّيء مع إمكان خلافه بالنّظر الى ذاته ، فإنّه لا ريب أنّ العلوم تختلف باختلاف متعلّقاتها. فالعلم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء ، وأنّ النقيضين لا يجتمعان ، ممّا يحصل به الجزم ، ولا يمكن خلافه في نفس الأمر ، لا في حال علمنا بذلك واعتقادنا به وتفطّننا له ولا في غيره ، بخلاف عدم انقلاب الحجر ذهبا وكون العالم مضيئا ، فإنّه وإن كان يستحيل خلافه في نظرنا وفي نفس الأمر معا في آن حصول العلم ووقت المشاهدة ، لكن لا يلزم محال بالنّظر الى ذاته لو فرض خلافه ، يعني في وقت آخر ، بل الظّاهر أنّ مراد النّاقض ، أنّ قولك في تعريف العلم : لا يحتمل النّقيض عدم الاحتمال عند العالم في نفس الأمر.
وإذا كان كذلك ، فقد لا يحتمل العالم النّقيض لغفلته لسبب مجرى العادة وعدم تفطّنه لمقدار جريان العادة ، فهو غافل عن ملاحظة سبب حصول العلم ولو نبّه باحتمال الخلاف ، وأنّ العادة لم يثبت عدم انخراقها في مثل ذلك والى هذا القدر ، فيحصل عنده الاحتمال وينتفي الجزء. فإنّ من كان له بستان ذوات حيطان وأشجار وأنهار يتردّد إليه في كلّ يوم ، فهو في كلّ ليلة جازم قاطع بوجود بستانه كما كان ، ولو اتّفق في بعض اللّيالي أنّ بعض أعدائه خرّب هذا البستان وقلع
__________________
(١) ويبدو أنّ مقصوده الآفة وهي العاهة ، ويقال : قد إيف الزّرع ـ على ما لم يسم فاعله ـ أي أصابته آفة فهو مئوف.