أشجاره وطمّ أنهاره وزرع في موضعه كلّ ذلك في ليلة واحدة ، لما كان له من كثرة القوّة والخدم والحشم ما تمكّن به من ذلك في ليلة ، فهو في الصّبح جازم قاطع بوجود البستان كما كان ، فإذا جاءه لم يجد هناك شيئا إلّا زرعا جديدا ، وقد وقع مثل ذلك في قرب زماننا كما سمعناه ، وأنت إذا سألته في الصّبح عن العلم بوجود بستانه يتعجّب عن السّؤال ، ولكن إن نبّهته وقلت : أفلا يمكن أنّ عدوّك المتسلّط القويّ الفلانيّ خرّب بستانك في اللّيلة وجعلها قاعا صفصفا؟ فيحصل له الاحتمال عند ذلك ويتردّد ويزول عنه الجزم.
فالعلم العادي هو ما يحصل بسبب العادة اليقين (١) باستصحاب الحال السّابق بمقدار ما يحصل له بعد التأمّل والتفطّن للاحتمالات ونفيها الى حين معيّن معلوم. ويتفاوت مقدار زمان الاستصحاب بتفاوت الموادّ والمقامات والأوقات ، وهذا لا يحتمل النّقيض أبدا ، واحتمال النّقيض في غير زمان العلم ، لا يصير نقضا على عدم احتماله في آن العلم.
نعم ، يمكن النّقض بالجزم الحاصل قبل التّفطّن للاحتمال المذكور بسبب الغفلة عمّا اقتضاه مقدار العادة ، وذلك هو الغالب الوقوع في العرف والعادة ، وإطلاق العلم عليه شائع. وهذا قابل لاحتمال النّقيض بالنّظر الى العالم أيضا ، لكن بالنّسبة الى حالتي التفطّن وعدم التّفطّن ، فلا احتمال عنده في بادئ النّظر ، ومع الغفلة على وجه من الوجوه ، ويحتمل النّقيض عنده بعد التّفطّن في الوقت الذي كان فيه جازما أيضا.
والجواب عن هذا النّقض : إمّا بأنّ المراد بالعلم ما لا يحتمل النّقيض في نفس
__________________
(١) بدل من فاعل يحصل ، لا فاعل له.