والقسطاس القويم ، فإذا ظهر له الاعوجاج ، فليتحرّز عن العمل برأيه ، وممّا ذكرنا يظهر حال مقلّده أيضا.
ثمّ إنّ الاحتياج الى الملكة المذكورة ممّا لا ريب فيه ، إذ كثيرا ما يكون في فرديّة بعض الأفراد للكليّ ولزوم بعض اللّوازم للملزومات ، خفاء لا يهتدي إليها إلّا من أيّده الله تعالى بهذه الملكة والقوّة القدسيّة ، مثلا : اختلف الفقهاء في أنّ من يريد الحجّ وفي طريقه عدوّ لا يندفع إلّا بمال وهو يقدر عليه ، فهو مستطيع أو ليس بمستطيع.
فمنهم من أدرج ذلك في قوله تعالى : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) وأنّ هذا من أفراد المستطيع لإطلاق المستطيع عليه عرفا. فكما أنّ الواجد للمال في بيته إذا طالب منه غريمه خارج البيت لا يمكن له الاعتذار بأنّي غير واجد فلا يجب عليّ إذا تمكّن من دخول البيت وإخراج المال ، فكذلك فيما نحن ، فلا يشترط الفعليّة وعدم المانع أصلا في صدق الإسم.
ومنهم من لم يدرجه لأنّ الحجّ واجب مشروط بالاستطاعة ، والأصل عدم الوجوب ما لم يعلم حصول الشّرط ، ومع وجود هذا العذر لا يعلم حصول شرط الاستطاعة.
وربّما يستدلّ بأنّه إعانة على الإثم ، فيحرم ، فهذا يرجع الى نزاع آخر ويحتاج الى الملكة في معرفة اندراج ذلك في الإعانة على الإثم والظّلم وعدمه.
والحقّ عدم الاندراج لأنّ المحرّم إنّما هو الإعانة على الظّلم من حيث إنّه ظلم.
مثال آخر ، يعتبر قصد تعيين البسملة في قراءة السّورة ، والغافل يحسب أنّه لا
__________________
(١) آل عمران : ٩٧