خاصّة من الأذكياء ، وعدم فهم غيرهم من العامّة لا يوجب عدم تكليفهم بها ، فإن لم يتفطّنوا لها ولا احتمال إرادتها ولزوم الفحص عنها ، فالجاهل والغافل معذوران ، وإن تفطّنوا فتكليفهم الرّجوع الى العامّ المتمكّن.
ثمّ إنّ ما ذكرنا لا ينافي ما قدّمناه في مباحث العموم والخصوص والإطلاق والتّقييد من أنّ الإطلاق ينصرف الى الأفراد الشّائعة ، وأنّه ليس بحجّة في الأفراد النّادرة ، فإنّ المراد من الأفراد النّادرة ثمّة ما لا يحصل الظنّ بإرادتها وإن حصل القطع بفرديّتها.
ومن الأفراد الخفيّة هنا ما يحصل الظنّ أو القطع بفرديّتها وبإرادتها بعد التأمّل والنّظر.
والفرق بين ظنّ فرديّة شيء للكلّي وظنّ إرادة فرد من الكلّي واضح ، والأوّل يرجع الى نوع تصرّف في الكلّي ويستلزم التّشكيك في حقيقته. فإنّ الشّك في كون ماء السّيل ما يوجب الشّكّ في أنّ ماهيّة الماء هل له وسعة يشمل هذا الفرد أم لا ، ولكنّ الشّك في دخول الفلس المهجور في بلد في قول القائل : بع بالنّقد ، ليس تصرّفا في الكلّي ، لأنّه لا ريب في كونه نقدا ، بل الإشكال إنّما هو في إرادة هذا الفرد.
ثمّ إنّه يدلّ على جواز العمل بالأفراد الخفيّة واللّوازم الغير البيّنة أيضا قولهم عليهمالسلام : «علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا» (١). وبمضمونه
__________________
(١) من جامع البزنطي عن الرضا عليهالسلام قال : علينا إلقاء الأصول إليكم وعليكم التّفرّع. كما في «البحار» ٢ / ٢٤٥ ح ٥٣ عن «السّرائر» ، ومثله ح ٥٤ عن هشام بن سالم عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا. وروى في «الغوالي» مثله أيضا عن زرارة وأبي بصير عن الباقر والصادقعليهمالسلام.