وللعامّي طريق الى معرفة صفة من يجب عليه أن يستفتيه ، لأنّه يعلم بالمخالطة والأخبار المتواترة حال العلماء في البلد الذي يسكنه ، ورتبتهم في العلم والصّيانة ـ أيضا ـ والدّيانة.
قال (١) : وليس يطعن في هذه الجملة قول من يبطل الفتيا (٢) ، ويقول : كيف يعلمه عالما وهو لا يعلم شيئا من علومه ، لأنّا نعلم أعلم النّاس بالتّجارة والصّناعة (٣) في البلد وإن لم نعلم شيئا من التجارة والصناعة ، وكذلك العلم بالنّحو واللّغة وفنون الآداب. انتهى كلامهرحمهالله.
وتحقيق المقام على ما أسّسنا عليه الأساس في المباحث المتقدّمة ، أنّ الجاهل والغافل من العوامّ الّذين لا تمييز لهم ، لا تكليف عليهم إلّا بما بلغه طاقتهم وعقولهم ، إنّما الكلام في أهل الفطنة والذّكاء والتمييز منهم ، وطلبة العلوم البصيرين [البصريين] بأحوال أهل العلم الغير البالغين مرتبة الاجتهاد في بيان حال العلماء في مناظراتهم وتحقيق المسائل في نفس الأمر ليترتّب عليه العلم بحقيقة الحال ، ويتفرّع عليه الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
فنقول : الأقوى وإن كان بالنّظر الى بادئ النّظر ، هو اشتراط العلم مع الإمكان والاكتفاء بالظنّ مع عدمه ، ولكن دقيق النّظر يعطي كفاية الظنّ مطلقا ، للأصل ولزوم العسر غالبا.
فإن قلت : إنّ الأصل ارتفع باشتغال الذّمّة بالأخذ عن المجتهد وهو لا يرتفع إلّا
__________________
(١) السيد في «الذريعة» أيضا.
(٢) في المصدر (الفتوى).
(٣) في المصدر (والصّياغة).