ثمّ إنّا قد أشرنا الى الفرق بين الحكم والفتوى في مباحث الأخبار ، ونزيد لك هنا.
ونقول : إنّ المراد بالفتوى هو الإخبار عن الله تعالى بحكم مسألة ، سواء كان بعنوان العموم كما لو قال : الماء القليل ينجس بملاقاة النّجاسة ، أو الخصوص كقوله : هذا القدح من الماء ينجس بملاقاته لقطرة من البول ، وفي معناه قوله : اجتنبه ، وإن كان إنشاء باللّفظ.
والحكم هو إلزام خاصّ أو إطلاق خاصّ في واقعة خاصّة متعلّقة بأمر المعاش فيما يقع فيه الخصومة بين العباد ، مطابقة لحكم الله تعالى في نظر المجتهد في هذه الواقعة وغيرها ممّا يندرج تحت كلّي.
فالفتوى حينئذ هو أنّ كلّ ما كان مثل هذه الواقعة الخاصّة ، فحكمه كذا.
وهذه الواقعة حكمها في الواقع كذا ، والحكم هو الإمضاء والإنفاذ والإلزام لذلك الحكم العامّ في هذه الواقعة الخاصّة بعنوان أنّه إنشاء من قبل الحاكم لا إخبار عن الله تعالى فيها.
والظّاهر أنّ إنشاء الحكم من الحاكم كما يحصل بقوله : حكمت بكذا ، أو أمضيت كذا ، أو أنفذت كذا ، يحصل بقوله لمن يحكم له بمال : تصرّف في كذا ، وهذا لك ، أو يقول للمرأة : تزوّجي بفلان ، وكذلك تزويجها بنفسه لغيره ، ونحو ذلك.
ومن خواصّ الحكم عدم التّعدية عن الواقعة المخصوصة التي وقع فيها الى غيرها وإن كان موافقا لها بعينها ، وعدم جواز نقضه ، بخلاف الفتوى ، فإنّه يتعدّى من الواقعة الخاصّة الى ما يوافقها ، ويجوز نقضها بالمعنى الذي سنذكره.
وقد يشتبه الأمر بين الفتوى والحكم كما أشرنا إليه في مبحث تصرّف