هو الأقرب الى ظنّه أنّه حكم الله تعالى في نفس الأمر ، وحينئذ فرجوعه الى فهم ذلك وتمييزه من مسائله الكلاميّة ومقاصده الأصوليّة التي لا دليل على لزوم التّقليد فيها ، وليس عليه متابعة العلماء.
نعم ، لو ظهر له بعد أمر العلماء بخلافه وتنبيههم إيّاه بخطئه خلاف ما فهمه ، فهو مكلّف به حينئذ لأنّه هو مقتضى تمييزه وإدراكه ، لا لأنّه تقليد لذلك العالم.
والحاصل ، أنّ العامّيّ في ذلك كأحد العلماء ، ومناطه في العمل هو حصول الظنّ بحكم الله تعالى ، فلو خلص عن ورطات النّزاع بين الأصوليّ والأخباريّ مثلا وعرف بفهمه أو بتعليم عالم إيّاه حقيّة طريقة الأصوليّ بحيث يحصل له التّمييز بالاستقلال ولو من جهة الاعتماد على هذا العالم لا من جهة محض تقليده ، ثمّ دار أمره في مسائل الفروع بين تقليد رجلين أصوليّين أحدهما حيّ والآخر ميّت ، وحصل له الرّجحان في أنّ متابعة ذلك الميّت أقرب الى حكم الله تعالى ، للأمارات الخارجة والقرائن الدّالّة عليه ، ولو بسبب مدح العلماء ووصفهم ذلك الميّت بالاتّفاق والتّحقيق ، فكيف يجب أو يجوز للعالم الذي لا يجوّز تقليد الميّت منعه عن ذلك إذا لم يحصل له الظنّ بقوله : بأنّ ما فهمه باطل.
والحاصل ، أنّ التّحقيق أنّ معيار تقليد المقلّد أيضا هو حصول الظنّ بحكم الله تعالى ، فإن قلت : نعم ، ولكنّ شهرة عمل الأصحاب بالمنع عن تقليد الموتى ، بل ظهور دعوى الإجماع من بعضهم على حرمته مع وجود الحيّ يوجب للمقلّد الظنّ بأنّ متابعة هذا الميّت ليس حكم الله تعالى في نفس الأمر إذ المقلّد أعمّ من العامّيّ البحت ، فقد يطّلع على الشّهرة والإجماع المنقول ، فيصير هذا من قبيل العمل بالقياس المستثنى من مطلق ظنّ المجتهد.
قلت : أمّا أوّلا : فهذا ليس من باب القياس ، لكون حرمته قطعيّا ، وغاية الشّهرة