ثمّ إنّ بعض المتأخّرين (١) فصّل تفصيلا آخر وقال بجواز تقليد من علم من حاله أنّه لا يفتي إلّا بمنطوقات الأدلّة ومدلولاتها الصّريحة أو الظّاهرة الواضحة دون الأفراد الخفيّة للعمومات واللّوازم الغير البيّنة اللّزوم للملزومات ، كالصّدوقين ومن شابههما من القدماء حيّا كان أو ميّتا ، ولا يجوز تقليد من يعمل باللّوازم والأفراد الخفيّة حيّا كان أو ميّتا. وهذا في غاية السّخافة والغرابة ، إذ جلّ الأحكام والفتاوى التي تحتاج إليها الرّعيّة إنّما يستنبط من القسمين الأخيرين ، وغالب احتياج النّاس الى المجتهد إنّما هو في ذلك.
وأغرب منه ما بني عليه هذا الحكم ، وهو أنّ كثرة اختلافهم في القسمين الأخيرين كاشف عن غلطهم ، بخلاف الاختلاف الحاصل في القسمين الأوّلين ، فإنّه يرجع الى اختلاف الأخبار ، فإنّ عدم الاعتماد على الأخيرين إن كان لكون الاختلاف ناشئا عن عدم إصابة الحقّ ، فالاختلاف في العمل بالأخبار أيضا مبنيّ على اختلافهم في التّرجيحات المأمور بها بينها ، فالتّرجيح إنّما يصدر من رأي المجتهد وفكره ، والغلط فيه أيضا غير عزيز ، مع أنّ الفرق بين الظّواهر والنّصوص وغيرها أيضا من الأمور الاجتهادية ، فربّ ظاهر عند بعضهم هو خفيّ عند آخر ، وبالعكس ، الى غير ذلك من المفاسد الواردة على هذا التّفصيل ، لا يخفى على من تأمّله.
__________________
(١) الفاضل التوني في «الوافية» ص ٢٩٦.