وهذا بخلاف دعوى الإجماع على حجّية ظنّ المجتهد ، فإنّ معناه الإجماع على أنّ ظنّ كلّ مجتهد حجّة عنده وعليه وعلى مقلّده لا في نفس الأمر ، بخلاف الإجماع على حجّية الظّواهر ، فإنّ معناه أنّها حجّة على كلّ أحد وهو شيء واحد ، لا أنّها تختلف باختلاف الأشخاص ، وتختلف الحجّية باختلاف أفهام الأشخاص في كونه ظاهرا.
فإن قلت : إنّا ندّعي الإجماع على أنّ الظنّ الحاصل من القرآن حجّة لأنّ الإجماع على أنّ العمل بالظّواهر واجب ، فلا يضرّ في ذلك الاختلاف في الظنّ ، فإنّ ذلك اختلاف في الموضوع ، وهو لا ينافي انعقاد الإجماع على حجّية أصل الظنّ ، وذلك من قبيل جواز الصلاة في الخزّ إجماعا مع الاختلاف في حقيقته ، وكذلك حرمة التّكفير فيها.
قلت : إنّا نجيب عن ذلك أوّلا : بالمعارضة ، ونقول : إنّ من المسلّمات تحقّق الإجماع على حجّية ظنّ المجتهد في أمثال زماننا ، يعني أنّه يجوز له العمل بما أدّاه إليه ظنّه ولمقلّده تقليده.
ودعوى هذا الإجماع عامّة بالنّسبة الى الاجتهاد في نفس الدّليل وفي كيفيّة الاستدلال ، فهل يمكنك أن تقول : لا يجوز لمثل الشهيد رحمهالله إذا أدّاه ظنّه الى العمل بالشّهرة العمل عليه ولا لمقلّده متابعته ، والقول بأنّه مخطئ آثم أو تعذّره في ذلك لأنّه ظنّه وهو حجّة عليه وعلى مقلّده.
والإجماع [فالإجماع] على جواز عمل المجتهد بظنّه يوجب جواز العمل بالشّهرة لمن أدّاه ظنّه الى العمل بالشّهرة ، وكيف إذا حصل له القطع بحجّيتها لأجل انسداد باب العلم وبقاء التكليف لو فرض انحصار المأخذ الرّاجح في النّظر فيها ورجحانها على الأصل في نظر المجتهد.